شهد القدّاس الذي ترأّسه البابا لاوون الرابع عشر في بيروت حضورًا لافتًا قارب 150 ألف شخص، وهو مشهد طغت عليه فرحة جماعيّة نادرة. واللافت أنّ هذا الاحتفال لم يجمع لبنانيّين مقيمين فحسب، بل شارك فيه أيضًا لبنانيّون وافدون من الخارج، فضلًا عن آلاف الأجانب المقيمين في لبنان، من عمّال مهاجرين وعناصر من قوّات «اليونيفيل».
اختتم البابا لاوون الرابع عشر بعد ظهر أمس رحلته الرسوليّة إلى تركيا ولبنان. في البلد الأوّل عاش لحظات عبّرت عن التزامه الحوار المسكونيّ، في حين عانق الشعب اللبناني في الجزء الثاني من الرحلة ودعاه إلى السلام وعدم فقدان الرجاء.
غادر البابا لاوون الرابع عشر لبنان، لكنّه ترك في قلوب شبابه جرعة كبيرة من الرجاء، خصوصًا أولئك الذين شاركوا في لقائه الحاشد في الصرح البطريركي الماروني-بكركي.
في 3 ديسمبر/كانون الأوّل من كلّ عام، تُحيي الدول اليومَ العالميّ للأشخاص ذوي الإعاقة، وهي مناسبة تسلّط الضوء على قصص يتحوَّل فيها الألم إلى قوّة. في هذا الإطار، تطلّ عبر «آسي مينا» ابتسام شعيا، وهي شابّة فقدت السمع وتعاني صعوبة الحركة، لتشاركنا تجربتها بنبرة فيها صبر وإيمان.
في رحلة عودته إلى روما، سأل صحافيّون البابا لاوون الرابع عشر عن «حزب الله»، فكشفَ أنّه عقد في خلال زيارته لبنان لقاءات مع ممثّلين عن مجموعات سياسيّة لم يُسمِّها، منخرطة في صراعات المنطقة. وقال: «عملُنا ليس شيئًا نُخبر عنه علانية. نحن نحاول إقناع الأطراف بالتخلّي عن السلاح والعنف والجلوس معًا إلى طاولة الحوار».
غادر البابا لاوون الرابع عشر لبنان اليوم، بعد زيارة تركت أثرًا لافتًا في نفوس المسيحيّين خصوصًا واللبنانيّين عمومًا. وأنهى الحبر الأعظم رحلته بقدّاس ورسالة قويّة، دعا فيها المجتمع الدوليّ إلى «بذل كلّ جهد لتعزيز مسارات الحوار والمصالحة»، موجّهًا نداءً إلى أصحاب السلطة السياسيّة والاجتماعيّة في لبنان وسائر البلدان المتألمة من الحرب والعنف: «اصغوا إلى صرخة شعوبكم التي تنادي بالسلام!».
في لقاء مع المرضى ومقدّمي الرعاية الصحيّة في لبنان، قال البابا لاوون الرابع عشر إنّه جاء إلى «حيثما يسكن يسوع»، مُضيفًا أنّ المسيح حاضر «فيكم أنتم المرضى، وفيكم أنتم الذين تعتنون بالمتألّمين». جاء كلامه في خلال زيارته مستشفى الصليب للأمراض النفسية والعقلية في جلّ الديب-بقنايا.
لا ينبغي أن نقرأ أيّ حدثٍ إنجيليّ ضمن حدودٍ ضيّقة تحصره بمعجزة شفاء، بل الأحرى أن نتعلّم كلّ حوارٍ تربويّ عميق يُصاحب أيّ معجزة، لأنّه يكشف أنّ الإيمان الحقيقيّ لا يقوم على الانتماء العرقيّ أو الامتياز الدينيّ، بل على قلب منفتح على الله.
شكَّلَ اللقاء بين البابا لاوون الرابع عشر والشباب في صرح البطريركيّة المارونيّة في بكركي، إحدى أبرز محطّات زيارته لبنان وأكثرها انتظارًا. ففي هذا اللقاء الذي عقِد بعد ظهر اليوم، وجَّه الأب الأقدس رسالة قويّة إلى شباب لبنان، قائلًا لهم: «كونوا أنتم ينبوع الرجاء الذي ينتظره الوطن!».
استهلَّ البابا لاوون الرابع عشر يومه الثاني في لبنان، صباح الاثنين، بزيارة ضريح القدّيس شربل مخلوف في عنّايا، واضعًا لبنان والشرق الأوسط تحت شفاعة هذا القدّيس اللبنانيّ الذي يستنجد به كثيرون من أبناء الوطن، ويُلقّبونه «طبيب السماء». وفي كلمته، قال الأب الأقدس: «ثباته الجذريّ والمتواضع هو رسالة إلى المسيحيّين كلّهم».
مع استمرار زيارة البابا لاوون الرابع عشر لبنان، تستعد بيروت هذا المساء لكتابة صفحة جديدة من السعي إلى السلام، من خلال استضافة لقاء مسكوني وبين الأديان في ساحة الشهداء، بمشاركة الحبر الروماني ورؤساء الكنائس والطوائف الإسلامية. حدث منتظر منه تقديم صورة مختلفة لبلد اعتاد أن يقاوم الانغلاق بالعبور نحو الآخر.
قبل وصوله إلى مقرّ إقامته في السفارة البابوية في حريصا ليل أمس، قصد البابا لاوون الرابع عشر دير الراهبات الكرمليات الحافيات المحصنات في حريصا.
وصل البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان حيث استُقبل بحفاوة استثنائية ومشهد مفعم بالرجاء في مطار بيروت (رفيق الحريري الدولي). ومنه توجّه إلى القصر الجمهوري في بعبدا، حيث خاطب الشعب اللبناني قائلًا: «أنتم شعب لا يستسلم، بل يعرف دائمًا كيف ينهض من جديد بشجاعة أمام المحن».
في صباح يومه الأخير في تركيا، شارك البابا لاوون الرابع عشر في صلاة مع الكنيسة الأرمنيّة الرسولية، إحدى الكنائس الأرثوذكسيّة الشرقيّة المستقلّة، وذلك في بطريركية الأرمن-إسطنبول.