قد تكون لحظة إعلان انتخاب بابا جديد من أكثر اللحظات رمزيّة واحتفاءً في الكنيسة الكاثوليكيّة. لكن خلف ستار الحشود، والتصفيق وعدسات الكاميرات، ثمّة لحظة أخرى، هادئة وشخصيّة وعميقة الوَقع. إنّها اللحظة التي يدخل فيها البابا المنتخَب غرفة صغيرة داخل الفاتيكان تُعرف باسم غرفة الدموع. في هذا الركن المعزول، يخلع الكاردينال ثوب الأمس، ليقف، وحيدًا، أمام ثقل المسؤوليّة التي سيحملها باسم أكثر من مليار مؤمن حول العالم.
منذ العصور القديمة حتّى الآن، تغيّرت وسائل نقل البابا بشكل كبير؛ فتحوّلت من عربات خيول بسيطة إلى السيارة البابويّة، «الباباموبيلي»، المضادة للرصاص. ولا يزال الهدف الأساسي نفسه: تواصُل الأب الأقدس مع الجماهير بأمان وراحة.
حين يشغر الكرسيّ الرسوليّ الرومانيّ، بفعل وفاة الحبر الأعظم أو استقالته، تدخل الكنيسة الكاثوليكيّة في مرحلة دقيقة وفريدة، يُستعاد فيها تراث الطقوس والمصطلحات اللاتينيّة المهيبة.
في السابع من مايو/أيار، يجتمع الكرادلة في كنيسة سيستين المغلقة داخل أسوار الفاتيكان، حاملين على أكتافهم القرار الأثقل في الكنيسة الكاثوليكيّة: انتخاب بابا جديد. وستّتجه أنظار العالم إلى مدخنة صغيرة على سطح الكنيسة، منها سيخرج دخان أبيض معلنًا البشرى أو أسود ممدِّدًا الانتظار.
في خضم الاجتماعات التي تجمع الكرادلة في روما لانتخاب حبر أعظم جديد، وفي ظلّ الأحاديث عن مستقبل الكنيسة والبابوية، نقلَ الكاردينال جان بول فاسكو أجواء اللقاءات الجارية، وما تحمله من عمق إنساني وروحي. وشدّد عبر «آسي مينا» على غنى التنوع في قلب الكنيسة الكاثوليكيّة، وعن الحاجة إلى راعٍ يواصل المسيرة التي رسمها البابا فرنسيس.
في خلال حبريّته، التقى البابا فرنسيس عددًا من بطاركة الكنائس الشرقيّة، في اجتماعات حملت بُعدًا روحيًّا وتاريخيًّا عميقًا. لم تكن هذه اللقاءات بروتوكوليّة حصرًا، بل جسّدت مسيرة متواصلة من الحوار والتقارب.
أكّد الكاردينال كلاوديو غودجيروتّي، رئيس دائرة الكنائس الشرقيّة في عهد البابا فرنسيس، أنّ الشرقيّين الكاثوليك بلغوا مراتب عظيمة، وأغنوا اللاهوت المسيحي بإسهامات أصيلة وفريدة، لا تزال إلى حدّ كبير مجهولة للغربيين.
بعد وفاة البابا فرنسيس، دخلت الكنيسة الكاثوليكيّة مرحلة الانتظار والترقّب: من سيُنتخب بابا جديدًا؟ كرادلة من مختلف أرجاء العالم يجتمعون في الفاتيكان لاتخاذ القرار. أمّا بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للموارنة، الكاردينال بشارة بطرس الراعي، فلن يكون من بين المصوّتين في هذا المجمع الحاسم. فما هو سبب غيابه عن المشاركة في اختيار البابا الجديد؟
في ظلّ الظروف الراهنة، أعلن الفاتيكان عن تعديل طرأ على برنامج يوبيل العمّال الذي كان مزمعًا إحياؤه بين 1 و4 مايو/أيار 2025، ويوبيل رجال وسيدات الأعمال، المقرّر في 4 و5 من الشهر نفسه. وبموجب هذا التعديل، سيقتصر البرنامج على عبور الأبواب المقدّسة في بازيليك القديس بطرس وسائر البازيليكات البابوية في روما.
بطرقٍ شتّى، أظهر فرنسيس محبّته الأبويّة للبنان في خلال سنوات حبريّته، فتابع أوضاع بلاد الأرز مِن كثب عندما عصفت بها الأزمات السياسيّة والاقتصاديّة.
بفضل كلماته الحكيمة واقتباساته الشهيرة المشجّعة على التأمّل والتغيير، اكتسب البابا فرنسيس مكانة خاصّة في قلوب ملايين الأشخاص. في هذا المقال، نستعيد بعضًا من أقواله العاكسة رؤيته الإنسانيّة العميقة ورحمته.
أشاد البطريرك الكلدانيّ الكاردينال لويس روفائيل ساكو بالدور الرياديّ للبابا فرنسيس الداعم لمسيحيّي الشرق الأوسط، وبقربه من معاناتهم في ظلّ الصراعات والتوتّر والحروب والفكر الإيديولوجيّ المتزمّت، لا سيّما عبر زياراته ستّ دول شرق أوسطيّة.
بينما تستعدّ الكنيسة لانعقاد الكونكلاف، المجمع السرّي لانتخاب خليفة البابا فرنسيس، تمتدّ قلوب المؤمنين بالصلاة من روما إلى أقاصي الأرض لأجل الحبر الأعظم الراحل.
في خلال سنوات حبريّته، عُرِف البابا فرنسيس باهتمامه بـ«الأقطار المنسيّة» من الكرة الأرضيّة، إذ سلّط الضوء في رحلاته ومواقفه على المناطق المهمّشة منها. ومن همومه العالميّة، تضامنَ مع لبنان بشكل عميق.
ترأس الكاردينال بييترو بارولين، أمين سرّ حاضرة الفاتيكان، القداس الإلهي صباح اليوم في ساحة القديس بطرس-الفاتيكان بمناسبة عيد الرحمة الإلهية، واليوم الثاني من تساعية الحداد على البابا فرنسيس. وقد غصّت الساحة بآلاف الشبّان والشابات القادمين من مختلف أنحاء العالم، احتفالًا بيوبيل المراهقين في إطار السنة اليوبيلية.
بمزيج من الحزن والاحترام، حضرت اليوم إلى روما حشود الحجّاج للمشاركة في جنازة البابا فرنسيس؛ رؤساء دول، وقادة دينيون، وشخصيّات من الصف الأوّل، انضمّوا إلى المؤمنين القادمين من قارات الأرض كافّة، ليكونوا شهودًا على رحيل رجل طبع عهده ببساطة الكلمة وعمق الرسالة واتساع اليد الممدودة للجميع. تعيش المدينة يومًا استثنائيًّا في ظلّ انتشار أمني واسع وإغلاق للطرق.
على الرغم من لحظات الحزن التي يعيشها الفاتيكان والعالم بعد رحيل البابا فرنسيس، ستحتضن العاصمة الإيطاليّة روما يوبيل المراهقين وفق ما كان مخطّطًا له.
في خلال حبريّته، كان البابا فرنسيس قريبًا جدًّا من شعوب الشرق الأوسط. لم تكن الدعوة إلى السلام في المنطقة مجرد شعار بالنسبة إليه، بل قضية ناضل لأجلها بالصلاة والعمل.
بينما تستعدّ الكنيسة الكاثوليكيّة لإعلان قداسة كارلو أكوتيس في 27 نيسان/أبريل، ظهرت قضيّة مقلقة تهدّد قدسيّة المناسبة: بيع ذخائر منسوبة إليه عبر الإنترنت، ما دفع الكنيسة إلى فتح تحقيق رسميّ بالتعاون مع الشرطة الإيطاليّة.
تنطلق اليوم نشاطات يوبيل المرضى والعاملين في القطاع الصحّي، في إطار السنة المقدّسة، ليشكّل هذا الحدث وقفة تأمّل ورجاء لجميع الذين يرزحون تحت وطأة الألم، ولمن كرّسوا حياتهم لخدمتهم.