بشري, السبت 28 يونيو، 2025
القرنة السوداء، أعلى قمّة في لبنان، لم تكن يومًا مجرّد جبل: فيها ترسيم معلّق، ودماء سالت وخلاف عمره عقود بين منطقتين وطائفتين وقراءتين للتاريخ والجغرافيا. هذا الأسبوع، صدر قرار قضائيّ طال انتظاره: تثبيت القرنة السوداء ضمن نطاق بلديّة بشرّي. قرار حاسم على الورق... لكن، ماذا عن الأرض؟ وهل يكفي حكم قضائيّ لإخماد نزاع لم يكن يومًا عقاريًّا فحسب؟
أصدر القاضي العقاريّ في مدينة طرابلس شمال لبنان الأربعاء قرارًا قضائيًّا قضى بتثبيت القرنة ضمن النطاق العقاريّ لبلديّة بشرّي. وقد استند القرار إلى خرائط ووثائق رسميّة تعود إلى عقود سابقة. وسارعت بشرّي إلى الترحيب بالقرار، واعتبرته تتويجًا لمسار قانونيّ طويل أثبت حقّها في القمّة الأعلى في لبنان. وعانقت أجراس الكنائس زغاريد النساء في مشهدٍ احتفاليّ يختصر تاريخًا من التمسّك بالجذور. وتُعدّ بشرّي أحد أبرز معاقل الوجود المسيحيّ المارونيّ في لبنان.
تقع منطقة القرنة السوداء في محافظة الشمال، بين قضاء بشرّي ذي الغالبيّة المارونيّة وقضاء الضنّيّة ذي الغالبيّة السُنّية. وقد شهدت المنطقة منذ أكثر من عشرين عامًا خلافات على ترسيم الحدود العقاريّة، خصوصًا بين بلديتَي بشرّي وبقاعصفرين. وعلى الرغم من المحاولات المتكرّرة لترسيم الحدود بمشاركة لجان قضائيّة ومندوبين طوبوغرافيّين من الجيش اللبنانيّ، ظلّ الملفّ عالقًا.
ولا يرتبط الخلاف بالحدود العقاريّة فحسب، إذ يقول خبراء إنّ المياه تشكّل أيضًا أحد مفاصل النزاع. في العام 2019، رفع أهالي بشرّي وناشطون بيئيّون الصوت احتجاجًا على أعمال حفر نفّذتها بلديّة بقاعصفرين لإنشاء بركة اصطناعيّة بهدف جمع المياه على ارتفاع يتجاوز 3078 مترًا، رغم وجود قرار صادر عن وزارتي البيئة والطاقة، مدعوم بتقارير خبراء جيولوجيّين، يمنع تنفيذ أيّ حفريّات أو إنشاءات في باطن الأرض أو على سطحها فوق ارتفاع 2400 متر، حفاظًا على النظام البيئيّ الهشّ في أعالي الجبال. ورأى أبناء بشرّي في تلك الأعمال محاولة للسيطرة على موارد المياه في المنطقة المتنازع عليها.