في ذكرى ولادته... سعيد عقل بين الشِّعر واللاهوت والهويّة

الشاعر والمفكّر اللبنانيّ سعيد عقل الشاعر والمفكّر اللبنانيّ سعيد عقل | مصدر الصورة: صفحة Said Akl/سعيد عقل/saýiid ýaçl في فيسبوك

منذ أكثر من قرن، وُلد رجل خاطب الله بلهجة الوطن وسجد للوطن سجدة شاعر يرى فيه وجه العليّ. وُلد من رحم كنيسةٍ تعرف أنّ الكلمة صار جسدًا، فآمن بأنّ الكلمة يمكن أن تصير وطنًا. هو الشاعر الذي صاغ أبجديّة لبنانيّة كي يرسّخ هوية بلده في الكتابة كما في الوجدان: إنّه سعيد عقل، شاعر مسيحيّ بقدر لبنانيّته، ولبنانيّ بعمق مسيحيّته.

ولد في 4 يوليو/تموز 1912 (وبعض المراجع يحيل ميلاده إلى العام 1911) في زحلة البقاعية، وتوفّي في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2014. يُعدّ من أبرز شعراء لبنان في العصر الحديث. اشتهر بدفاعه المستمر عن المحكيّة اللبنانيّة بصفتها كيانًا مستقلًا عن العربيّة الفصحى، ودعا إلى تدوينها بأبجديّة معدّلة من 36 رمزًا، عدّها امتدادًا طبيعيًّا للكتابة الفينيقيّة.

لعقود من العطاء، شكّل عقل حالة فريدة في الشعر المحلّي، إذ كتب آلاف الأبيات باللبنانيّة المحكيّة والعربيّة الفصحى، فتحوّلت كلماته إلى جزء من الذاكرة الثقافيّة والوطنيّة. وازدادت شهرته عندما زاوجت كلماته ألحان الأخوين الرحباني (عاصي ومنصور)، وصوت فيروز التي أنشدت له قصائد خالدة، أبرزها «بحبّك يا لبنان». وهو أوّل من أطلق عليها لقبها الأشهر: «سفيرة لبنان إلى النجوم».

لم يكن سعيد عقل شاعرًا فحسب، بل تعمَّق في اللاهوت وجمع بين الإيمان واللغة في مشروعه الأدبي والروحي. كتب ترانيم صدحت في الكنائس أشهرها «أعطِنا ربّي قبل كل عطاء» التي أنشدتها ماجدة الرومي. تبدأ الترتيلة بعبارة: «أعطِنا ربّي قبل كلّ عطاء أن نحطّ التفاتة في سناك، كلّ ما دون وجهك الجمّ وهمٌ، أعطِنا ربّي، أعطِنا أن نراك»... عبارة تلخّص رؤيته اللاهوتيّة.

ومن بين أعماله المستوحاة من النصوص المقدّسة، تبرز قصيدته «المجدليّة»، وفيها يستعيد شخصيّة مريم المجدليّة: امرأة فائقة الجمال سكنتها سبعة شياطين، قبل أن يحرّرها المسيح. وفي أحد خطاباته، أشار عقل إلى أنّ ميلاد يسوع أعظم حدث غيّر وجه الدنيا، ولا يزال يغيّرها. وقال: «يسوع أنت حامي لبنان وسترجعه دولة عظيمة».

واستهلّ عقل كتابه «لبنان إِن حكى» بهذه العبارة: «هنا تحت كلّ ترابَه… حكايةُ مجد… هنا الله شرّع بابه… وضمّك ضمّة وَجد».

عُرف سعيد عقل بشِعره الوطني، لكن في كلّ ما كتب بدا المسيح حاضرًا في قلبه. الكلمة عنده لم تكن مجرّد أداةً للتعبير بل غدت فعل إيمان، والوطن لم يكن مجرّد تراب بل غدا أرضًا يسكنها الله.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته