ماتيلدا من كانوسا… امرأة جعلت إمبراطورًا يركع أمام البابا

ماتيلدا من كانوسا ماتيلدا من كانوسا | مصدر الصورة: (Peter1936F via wikimedia commons (CC BY-SA 4.0

احتَفل العالم هذا الأسبوع باليوم الدوليّ للمرأة في الدبلوماسيّة، وتصدَّرت أسماء نساء كثيرات مشاهد الاحتفاء والتكريم. لكن نادرًا ما يُذكَر اسم امرأة كانت وراء أحد أكثر مشاهد التاريخ الدبلوماسيّ إثارةً، إذ جعلت إمبراطورًا يركع أمام البابا، ووُضِع لها تمثالٌ في قلب الفاتيكان. إليكُم قصّة ماتيلدا من كانوسا.

وُلِدَت ماتيلدا عام 1046 في مدينة مانتوفا، في موقع استثنائيّ جمَعَ بين أصول ملكيّة ألمانيّة ونفوذ إقطاعيّ إيطاليّ متحالف مع الكنيسة. نشأت في محيط يُوازن بين السلالة والنفوذ، فوجدت نفسها في صلب النزاع الأكبر في أوروبا في ذلك الزمن: الصراع بين البابويّة والإمبراطوريّة.

في عام 1077، استضافت ماتيلدا البابا غريغوريوس السابع في قلعتها في كانوسا، وكان الإمبراطور هنري الرابع الذي طُرِد من الكنيسة، يسعى إلى نيل الغفران. فركَعَ أمام البابا في مشهد شهير دخَلَ التاريخ. لم تكن هذه المصالحة لتتمّ لولا وساطة ماتيلدا وأسلوبها الدبلوماسيّ الحاسم. ما فَعَلَته في كانوسا أصبح مثلًا شائعًا في أوروبا، إذ باتت عبارة «الذهاب إلى كانوسا» تُستخدَم للدلالة إلى فعل الخضوع والاعتراف بالخطأ.

لم يقتصر إرث ماتيلدا على دورها الجريء في السياسة والنزاعات الكنسيّة، بل امتدَّ أيضًا إلى ارتباطها العميق بالأراضي التي حكمتها. فقد شملت ممتلكاتها مناطق واسعةً وخصبة مثل إميليا-رومانيا، لومبارديا، توسكانا، أومبريا، ماركي، فينيتو، ليغوريا، ولاتسيو. تلك الأراضي التي عُرفت بتقاليدها الزراعيّة والغذائيّة العريقة، استفادت من حماية ماتيلدا وإدارتها الحكيمة، إذ إنّها عزّزت الإنتاج المحلّي، وشجّعت على الزراعة والتجارة، ما أسهَمَ في ازدهار اقتصاديّ انعكس على حياة سكّان تلك المناطق واستقرارها.

وإذا زرتُم بازيليك القدّيس بطرس في الفاتيكان، يمكنكم أن تروا ضريحًا ضخمًا للكونتيسة صمّمه النحّات الشهير جان لورنزو برنيني. يتكوّن النصب من تابوت منحوت يُصوّر مشهد خضوع الإمبراطور هنري الرابع للبابا غريغوريوس السابع في كانوسا وتمثالًا رخاميًّا لماتيلدا نفسها. في 10 آذار/مارس 1634، نُقِل جثمانها إلى بازيليك القدّيس بطرس، حيث كان الضريح قد أُنجِز بالكامل بانتظار استقبالها.

تُعَدّ ماتيلدا واحدة من أقوى النساء في العصور الوسطى، ويُنظر إليها على أنّها كانت في ذلك الوقت راعية للكرسيّ الرسوليّ، فاستحقّت أن تُكرَّم إلى الأبد في قلب الفاتيكان.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته