البابا الأغسطينيّ… إرث أفريقيّ وانفتاح على الشرق المسيحيّ

البابا لاوون الرابع عشر البابا لاوون الرابع عشر | مصدر الصورة: فاتيكان ميديا

عبّر المسيحيّون الشرقيّون عن فرحتهم الكبيرة بانتخاب بابا جديد للكنيسة الكاثوليكيّة، سواء بالكلمات أو بقرع الأجراس. غير أنّ تحدُّر البابا لاوون الرابع عشر من القارّتَين الأميركيّتَين، وانتماءه إلى الرهبنة الأغسطينيّة غير المعروفة على نطاق واسع في العالم العربي، قد أثارا تساؤلات لدى كثيرين عن مدى ارتباط الحبر الرومانيّ بهذه المنطقة، وهو ما تحاول الأسطر الآتية الإجابة عنه.

لوحة للقديس أغسطينوس في بلنسية، إسبانيا. Provided by: Renata Sedmakova/Shutterstock
لوحة للقديس أغسطينوس في بلنسية، إسبانيا. Provided by: Renata Sedmakova/Shutterstock

«ابن روحيّ» لقدّيس جزائريّ

في أوّل خطاب له، ألقاه من شرفة بازيليك القدّيس بطرس الخميس الماضي، عرّف البابا المُنتخَب نفسه بالقول: «أنا ابن القدّيس أغسطينوس، أغسطينيّ...». يُذكَر أنّ أغسطينوس وُلد في طاغاست بالجزائر (سوق أهراس حاليًّا)، ودرّس في قرطاج، ثمّ أصبح أسقفًا على هيبون (عنّابة حاليًّا)، حيث قضى حياته ودفِن فيها.

الرهبنة الأغسطينيّة التي ينتمي إليها البابا استمدّت من هذا القدّيس روحانيّتها، القائمة على محبّة الكنيسة وخدمتها، وعلى الأخوّة والوحدة بتناغم. كما ترتكز رؤيتها على السعي إلى الله وعبادته، وخدمة شعبه، من أجل تغيير العالم من الداخل، وبثّ البشرى السارّة فيه. ويُعَدّ العمل الرسوليّ، والصلاة، والتنمية، والتأمّل في قضايا العصر، ركائز لا غنى عنها في هذا التوجّه الروحيّ.

دورٌ مُرجَّح

قبل انتخابه، كان البابا يشغل منصب رئيس دائرة الأساقفة في الفاتيكان، وهي الهيئة المسؤولة عن كلّ ما يتعلّق بتعيين الأساقفة والمدبّرين الرسوليّين، عبر دراسة سِيَرهم الذاتيّة، وتقييم كفاياتهم الروحيّة والإداريّة واللاهوتيّة. على سبيل المثال، يُرجَّح أنّه كان للبابا الجديد دور مباشر أو غير مباشر في تعيين المطران حنا جلوف نائبًا رسوليًّا في حلب عام 2023.

من زيارة البابا لاوون الرابع عشر قبل أشهر المعهد المارونيّ في روما. مصدر الصورة: رعيّة روما المارونيّة-مار مارون
من زيارة البابا لاوون الرابع عشر قبل أشهر المعهد المارونيّ في روما. مصدر الصورة: رعيّة روما المارونيّة-مار مارون

ذخيرة مارون وصلوات بالعربيّة

قبل أشهر، زار البابا المُنتخَب المعهد المارونيّ في روما، حيث تحدّث عن العلاقة مع الكنائس الشرقيّة، وعن مفهوم الشراكة. وفي ختام اللقاء، قدّم له مسؤولو المعهد ذخيرة للقدّيس مارون وتمثالًا مصنوعًا من خشب الأرز.

كما كان لافتًا تصريح نقلته صحيفة «لاريبوبليكا» البيروفيّة، عن أحد كهنة الرهبنة الأغسطينيّة، مفاده أنّ البابا كان يحتفظ بورقة صغيرة تضمّ صلوات مكتوبة باللغة العربيّة.

مدافع عن السلام والسوريّين

في خطابه الأوّل، كانت كلمة «السلام» الأكثر تكرارًا (10 مرّات)، وبدأ بها كلمته: «السلام عليكم جميعًا». هذه العبارة ترسم ملامح التوجّه العام لحبريّة البابا الجديدة، خصوصًا تجاه مناطق النزاع في الشرق الأوسط وأوكرانيا. وهي تُذكّر من جهة أخرى بجذور المسيح الشرقيّة. إذ إنّه على الرغم من الاعتقاد السائد بأنّ «السلام عليكم» هي تحيّة إسلاميّة، إلّا أنّها في الواقع عبارة شرقيّة تعود إلى ما قبل الميلاد، تُستخدم لبثّ الطمأنينة في نفس الطرف الآخَر.

منشور أعاد البابا لاوون الرابع عشر نشره عن اللاجئين السوريّين. مصدر الصورة: لقطة شاشة من صفحة البابا لاوون الرابع عشر في منصّة إكس
منشور أعاد البابا لاوون الرابع عشر نشره عن اللاجئين السوريّين. مصدر الصورة: لقطة شاشة من صفحة البابا لاوون الرابع عشر في منصّة إكس

في السياق ذاته، أعاد البابا عبر حسابه على منصّة «إكس» نشر صورة الطفل السوريّ عمران دقنيش الذي انتُشِل من تحت الأنقاض، مرفقة بكلمات كتبها أحد الآباء اليسوعيّين: «هل نمنع اللاجئين السوريّين جميعهم؟ الرجال والنساء والأطفال الأكثر حاجة؟ يا لها من أمّة أصبحت غير أخلاقيّة. يسوع يبكي».

قدّيس سوريّ حاضر في قدّاسه الأوّل

وفي قدّاسه الأوّل الذي ترأّسه أمس الجمعة في كنيسة سيستين، اختتم البابا عظته باقتباس من رسالة القدّيس أغناطيوس الأنطاكيّ إلى أهل روما، إذ قال: «سأكون حقًّا تلميذًا ليسوع المسيح عندما لن يرى العالم جسدي». وأوضح البابا أنّ هذا المعنى العميق لا يُمكن لأيّ شخص يتحمّل مسؤوليّة السلطة في الكنيسة أن يتغاضى عنه. كما أشار إلى أنّ كنيسة روما مدعوّة إلى ترؤّس الكنيسة الجامعة «بالمحبّة»، على حدّ تعبير القدّيس أغناطيوس في مقدّمة رسالته نفسها.

المزيد

القدّيس أغناطيوس الأنطاكيّ. مصدر الصورة: Chrétien web/Pinterest
القدّيس أغناطيوس الأنطاكيّ. مصدر الصورة: Chrétien web/Pinterest

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته