الحرب تلقي بثقلها الاقتصاديّ على المسيحيّين الفلسطينيّين

إحدى دور ضيافة الحجّاج الخالية بسبب الحرب/الأب كارلوس مولينا في خلاله احتفاله بالذبيحة الإلهيّة إحدى دور ضيافة الحجّاج الخالية بسبب الحرب/الأب كارلوس مولينا في خلاله احتفاله بالذبيحة الإلهيّة | مصدر الصورة: كميل اسبنيولي

في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبينما كانت كنائس الأراضي المقدسة تحتفل بعيد سيدة الوردية، اندلعت الحرب في قطاع غزة وحدوده. وحتى اليوم، لا يزال العالم يشهد نتائج هذه الحرب على الصعد كافةً. فإلى جانب الأضرار البشرية القاسية، هناك خسائر مادية جسيمة طالت بشكل مباشر المسيحيين في الأراضي المقدسة، خصوصًا في الجانب الفلسطيني.

يُعدّ قطاع السياحة بشكلٍ عام، والسياحة الدينية ورحلات الحج بشكلٍ خاص، مصدرًا رئيسًا لكثير من العائلات المسيحية التي تعتمد على هذا المجال من العمل. ونتيجةً لذلك، فإنّ مئات العائلات المسيحية الفلسطينية فقدت بسبب الحرب مصدر رزقها الوحيد إلى أجلٍ غير مسمّى.

للوقوف على هذه الآثار الاقتصاديّة، أجرت «آسي مينا» مقابلةً مع الأب كارلوس مولينا، راهب فرنسيسكاني أرجنتيني الأصل من حراسة الأراضي المقدسة. وهو متخصّص في مجال زيارات الحج إلى الأراضي المقدسة، كما يُدير منذ أكثر من عشر سنوات دورًا لضيافة الحجّاج التابعة لحراسة الأراضي المقدسة، والتي تستقبل سنويًّا آلاف الحجّاج القادمين من مختلف أنحاء العالم لعيش خبرة إيمانية فريدة في هذه الأرض الفريدة.

شدّد مولينا على أن «ليس هناك أثمن من الخسائر البشرية التي تتكبدها الأراضي المقدسة بسبب الحرب، ومع ذلك فإنّ الحرب بدأت تلقي بأثقالٍ من نوع آخر على كاهل المسيحيين الفلسطينيين». وأشار إلى أهمية رحلات الحج وكل ما تقدمه من دعم معنوي ومادي للمسيحيين وللكنيسة في الأراضي المقدسة.

الأب كارلوس مولينا في مكتبه. مصدر الصورة: كميل اسبنيولي
الأب كارلوس مولينا في مكتبه. مصدر الصورة: كميل اسبنيولي

وسلط الضوء على العائلات المسيحية في مناطق السلطة الفلسطينية والتي تعتاش بأغلبيتها الساحقة من السياحة الدينية، مشيرًا إلى صعوبة الوضع الراهن هناك بسبب الحرب خصوصًا في منطقة بيت لحم.

الصورة في بيت لحم

قال مولينا: «على الرغم من أنّ رحلات الحج توقفت في سائر الأراضي المقدسة ولكنّ أكثر المتضرّرين هم مسيحيو المناطق الفلسطينية، فالأمر مختلف جدًّا هناك. إنّ الوضع الاقتصادي للسلطة الفلسطينية لا يسمح لها بتعويض الخسائر للمتضررين، على عكس واقع العاملين في هذا المجال داخل دولة إسرائيل؛ فالوضع الاقتصادي لإسرائيل يسمح لها بتعويض مواطنيها عن طريق برامج حكومية خاصة للتأمينات والرفاه الاجتماعي من شأنها أن تخفف وطأة الأزمة الاقتصادية على المتضررين».

وتابع: «أما في مناطق السلطة الفلسطينية فهذا غير ممكن. لذا، تعمل حراسة الأراضي المقدسة في مناطق السلطة الفلسطينية، على تفعيل نظام خاص تحافظ بواسطته على دفع جزء من رواتب العاملين لديها في دور الضيافة الخالية حاليًّا من الزائرين كي يستطيع هؤلاء الموظفون متابعة عيشهم بكرامة بعد فقدان وظائفهم. كما أنّ الأمر لا يقتصر على هؤلاء العاملين في قطاع السياحة الدينية في مدينة بيت لحم، فهناك أيضًا العمّال الذين يعملون خارج المدينة والذين فقدوا وظائفهم أيضًا بسبب إغلاق جميع الحواجز الأمنية من المدينة وإليها، الأمر الذي فاقم الأزمة الاقتصادية لسكان المنطقة برمّتها».

وأردف مولينا: «في بيت لحم مثلًا، يتطلّب دخول المدينة والخروج منها عبور حواجز أمنية، ما يجعل السكان يشعرون بأنهم في سجن كبير. يقع مبنى دار الضيافة بِجوار دير الرهبان الفرنسيسكان الملاصق لكنيسة المهد، لذا فإنّ الإقامة في هذا المكان تكتسب صبغة أصيلة لاختبار المكان ليس كمجرد زائر عابر بل كشاهد قريب من السكان المحليين إلى جانب عيش الأحداث التاريخية والآنية لهذا المكان».

إحدى دور ضيافة الحجّاج الخالية بسبب الحرب. مصدر الصورة: كميل اسبنيولي
إحدى دور ضيافة الحجّاج الخالية بسبب الحرب. مصدر الصورة: كميل اسبنيولي

وأكّد أنّ وجود الأجانب في المدينة يمنح السكان بعض الأمل بأنهم غير منعزلين عن العالم، والرجاء بأنّ هناك من يراهم، ويستمع إليهم ويفكر بهم، الأمر الذي بات هو أيضًا صعب المنال بسبب الحرب.

الصورة في القدس

أما عن القدس، فيقول مولينا إنّ دار الضيافة الفرنسيسكانية تقع في قلب البلدة القديمة، على بعد خطوات من كنيسة القيامة والجلجلة ودرب الصليب، وبجوار المقارّ البطريركية للكنائس المختلفة، والتي يعود تاريخها الى مئات السنين، حيث تعيش إلى اليوم قلّة من المسيحيين المتشبثين بأرضهم رغم التضييقات عليهم. هنا، يشعر الحجّاج بأنهم يعيشون حقبة تاريخية من الماضي العريق الى جانب الخبرة الروحية الأكثر عُمقًا وفرادة.

وختم مولينا حديثه إلى «آسي مينا» قائلًا: «نصلّي من أجل السلام ومن أجل عودة رحلات الحج في أقرب وقت ممكن، لأنّ خبرة الحج الى الأراضي المقدسة هي خبرة إثراء لكلّ مسيحي يرغب في تعميق إيمانه وتغيير مسار حياته اليومية، وهي مصدر رجاء وفرح للحجارة الحية التي تعيش في هذه الأرض؛ فالأراضي المقدسة لا تزال تحمل في طياتها كثيرًا ممّا يودّ الله أن يقوله لنا».

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته