عنكاوا تواجِه تحدّيات الحفاظ على الهويّتَين الدينيّة والثقافيّة

تمثال السيّدة عند مدخل عنكاوا تمثال السيّدة عند مدخل عنكاوا | مصدر الصورة: آسي مينا

انشغلت صفحات عدّة في مواقع التواصل الاجتماعيّ بمطالبات ناشطين مدنيّين بالحفاظ على خصوصيّة عنكاوا وصون هويّتها المسيحيّة؛ وعنكاوا هي مركز قضاء تابع لمحافظة أربيل في إقليم كردستان العراق.

ودعا الناشطون إلى الحدّ من التغييرات التي طالت هويّتَي البلدة الدينيّة والثقافيّة، ووَقف استشراء مظاهر سلبيّة فيها مرتبطة بالانتشار المستفحل للنوادي الليليّة والمرافق السياحيّة وسط البيوت السكنيّة.

نموذج طينيّ يجسِّد معالم عنكاوا القديمة بين العشرينيّات والخمسينيّات من القرن الماضي. مصدر الصورة: شبكة روداو الإعلاميّة
نموذج طينيّ يجسِّد معالم عنكاوا القديمة بين العشرينيّات والخمسينيّات من القرن الماضي. مصدر الصورة: شبكة روداو الإعلاميّة

من المسؤول؟

حمّل البطريرك الكلدانيّ لويس روفائيل ساكو «الجميع» مسؤوليّة التغييرات التي طالت عنكاوا والآثار السلبيّة المترتّبة عليها.

وقال عبر موقع البطريركيّة الكلدانيّة إنّ المسؤوليّة تقع على أهالي عنكاوا في الدرجة الأولى، ثمّ مسؤوليها الإداريّين والكنيسة، وبرلمانيّيها «الذين لم يقدّموا شيئًا إلى المسيحيّين». وأشار أيضًا إلى دور وزير المال السابق في حكومة إقليم كردستان وتوزيعه «أراضي من دون تخطيط» وما أعقبه من استثمار.

سوء الإدارة والعشوائيّة

بدوره، رأى فاروق حنّا عتّو، عضو مسيحي في البرلمان العراقيّ ومن أهالي عنكاوا، أنّ ما تمرّ به بلدته اليوم هو نتيجة تراكمات شرعت باعتماد المخطَّط العمرانيّ للمدينة عام 2005. ثمّ تفاقمت المشكلات «بشكل ممنهج» مع تحويلها إلى منطقة تجاريّة تعاني سوء الإدارة والقرارات العشوائية، من دون مراعاة خصوصيتها الدينيّة والقوميّة وطابعها الثقافي والتاريخيّ. وأشار إلى مخاطبة أهالي عنكاوا الجهات الرسميّة لسنوات بقصد حماية مدينتهم ووقف الانحدار، من دون أن تجد صرخاتهم أيّ استجابة جادّة.

وذكّر عتّو بالاستحواذ الجائر على أراضي فلاحي عنكاوا الزراعيّة «بلا مراعاة حقوقهم أو تعويضهم تعويضًا عادلًا». وفي هذا الشأن، بيّن ساكو أنّه رفع مطالبات الأهالي إلى سلطات الإقليم. واستدرك: «سمعت أنّهم نالوا حينها تعويضًا بسيطًا من الحكومة المركزية!».

كنيسة مار كوركيس الأثريّة في عنكاوا. مصدر الصورة: Pauline Bouchayer/Mesopotamia
كنيسة مار كوركيس الأثريّة في عنكاوا. مصدر الصورة: Pauline Bouchayer/Mesopotamia

تشوّهات وممارسات سلبيّة

تناولت الدكتورة منى ياقو، رئيسة الهيئة المستقلّة لحقوق الإنسان في إقليم كردستان العراق، في منشور على صفحتها في فيسبوك، معاناة عنكاوا «تشوّهات وممارسات سلبيّة» كان لها انعكاسها القاسي على الأهالي. وأعربت عن رفضها انتشار مظاهر لاأخلاقيّة في شوارع البلدة، يمارسها غرباء ووافدون، وازدياد أعداد الفنادق وقاعات الحفلات ومتاجر بيع المشروبات الكحوليّة، الفائضة عن حاجة القضاء؛ فضلًا عن التغيّر الديموغرافي المتمثّل في «تزايد امتلاك غير المسيحيّين العقارات بحيل قانونيّة» ما يخالف أحكام الدستور والقانون.

رسالة من أساقفة أربيل

على الصعيد نفسه، وجّه أساقفة أربيل رسالةً إلى مؤمني عنكاوا أكّدوا فيها دعم شبابها المتطلّعين إلى الحفاظ على أصالتها وقيَمها، ومساندتهم «لا في الفضاء الافتراضيّ، بل في العلاقة اليوميّة، عبر الإصغاء إلى كلّ صوتٍ صادق». وطمأن الأساقفة أبناءهم بأنّ تواصلهم مع الجهات الرسميّة المعنيّة لم ينقطع «بعيدًا من الضجيج الإعلاميّ»، وبأنّهم يصغون ويرافقون ويتابعون، لإيمانهم بأنّ المطالب العادلة تناقَش وتُتابع بالحكمة لا بالشعارات.

كاتدرائيّة القدّيس يوسف في عنكاوا. مصدر الصورة: Pauline Bouchayer/Mesopotamia
كاتدرائيّة القدّيس يوسف في عنكاوا. مصدر الصورة: Pauline Bouchayer/Mesopotamia

ودعا الأساقفة «أبناءهم وبناتهم» إلى التروّي قبل نشر أيّ موضوعٍ حسّاس على وسائل التواصل لتفادي أيّ تجريحٍ وتشكيكٍ وإساءة، والحرص على أن يبقى اسما عنكاوا والكنيسة بعيدَين من التراشق.

يُذكَر أنّ عنكاوا المسيحيّة يتوسطها «تلّ قصر» الأثريّ الذي أرجعت التنقيبات الأثريّة لُقاه إلى العهود الآشوريّة المتأخِّرة، ما يعني أنّ المنطقة كانت مأهولة منذ 3500 سنة قبل الميلاد. وتؤكّد أدلّة تاريخيّة عدّة دخول المسيحيّة إلى المنطقة قبل نهاية القرن الأوّل، من خلال الرسولَين أدّي وماري، تلميذَي توما الرسول، لتنتشر وتزدهر بسرعة، رغم الاضطهادات.

المزيد

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته