شهر على الحرب في الأراضي المقدّسة... الكنيسة تصمد وتنادي

كنيسة العائلة المقدّسة للاتين في غزة كنيسة العائلة المقدّسة للاتين في غزة | مصدر الصورة: الأب يوسف أسعد

مضى شهر على الحرب في الأراضي المقدسة. حرب سقط فيها آلاف الضحايا من المدنيين بشكل لم تعرفه البشرية منذ بدء القرن الـ21. حرب هجّرت عشرات آلاف الأشخاص، ومعهم هجرت راحة العقول وطمأنينة النفوس إلى أجل غير مُسمّى.

يعيش المسيحيون في قطاع غزة معاناةً مضاعفة، كون حضورهم التاريخي في المدينة مهددًا بالاندثار. فهذه الحرب لم تستثنهم بل أمعنت في تعميق آلامهم؛ أولًا من خلال استهداف المستشفى الأهلي العربي (المعمداني) التابع للكنيسة الأسقفية؛ وثانيًا بقصف القاعة الملاصقة لكنيسة القديس برفيريوس ما أسفر عن سقوط 18 ضحية وعشرات الإصابات جميعهم من المسيحيين؛ وثالثًا من خلال تدمير المركز الثقافي الأرثوذكسي بالكامل.

أما بالنسبة إلى الكنيسة اللاتينية،  فتقيم فيها اليوم غالبية مسيحيي المدينة وعددهم بالمئات، وهي لم تُستهدف حتى اللحظة، لكنّ قصفًا كان قريبًا منها جدًّا في الأول من الشهر الحالي أدى إلى أضرار مادية بسيطة.  

كنيسة العائلة المقدّسة للاتين في غزة. مصدر الصورة: الأب يوسف أسعد
كنيسة العائلة المقدّسة للاتين في غزة. مصدر الصورة: الأب يوسف أسعد

هجرة المسيحيّين

هذا الخطر الوجودي للمسيحيين نبّه إليه حارس الأراضي المقدسة الأب فرانشيسكو باتون في مقابلة مع فاتيكان نيوز، معتبرًا إياه خطرًا يتجاوز غزة إلى الأراضي المقدسة والشرق الأوسط كله عمومًا. وركز باتون في حديثه على الأطفال وكبار السن، مشيرًا إلى أنّ عدد الضحايا من الأطفال وحدهم بلغ 5000 تقريبًا. كما لفت إلى الأجواء الراهنة في القدس المتسمة بالخوف الشديد والمشحونة بمشاعر البغض والغضب المرفقة بالضعف والألم.

 وكان نائب حارس الأراضي المقدسة الأب إبراهيم فلتس أشار في مقابلة مع «آسي مينا» إلى الآثار المادية والمعنوية لهذه الحرب على المسيحيين، قائلًا: «المسيحيون عمومًا أول من يتأثر ماديًّا ومعنويًّا، وآخر من يتعافى ماديًّا». وأردف: «نتوقع هجرة المسيحيين ونزوحهم من غزة نتيجة الاعتداءات التي لحقت بهم، والتي شكلت جزءًا أساسيًّا في تدهور الوضع الحالي».

الدمار في المركز الثقافي الأرثوذكسي في غزة. مصدر الصورة: بطريركيّة الروم الأرثوذكس الأورشليميّة
الدمار في المركز الثقافي الأرثوذكسي في غزة. مصدر الصورة: بطريركيّة الروم الأرثوذكس الأورشليميّة

من جهته أشار بطريرك القدس للاتين بييرباتيستا بيتسابالا الخميس الماضي إلى أنّ أزمة المسيحيين اتسعت رقعتها وأصبحت تشمل جميع الأراضي المقدسة وفي مقدّمها مدينة بيت لحم، خصوصًا من الناحيتَين الاجتماعية والاقتصادية. ويتجسد ذلك سواء على مستوى الأفراد مع ارتفاع معدلات البطالة، أم على مستوى مؤسسات الكنيسة اللاتينية من مستشفيات ومدارس ورعايا. وعليه، فقد طلب بيتسابالا المساعدة والتبرع للكنيسة، كاشفًا في الوقت عينه عن اتصال مئات الأشخاص من جميع أنحاء العالم عارضين تقديم الدعم الملموس.

مواقف الفاتيكان

بالانتقال إلى آخر مواقف الفاتيكان في هذا الصدد، نادى البابا فرنسيس يوم الأحد الماضي بالتوقف عن إطلاق النار، آملًا أن تُتخذ جميع الإجراءات من أجل تجنب تصاعد الصراع، وأن تتوفّر مساعدة للجرحى وتصل المساعدات إلى سكان غزة حيث «الوضع الإنساني خطير جدًّا". وفي الوقت نفسه، دعا إلى الإفراج عن الرهائن على الفور ومن بينهم الأطفال ليعودوا إلى أهلهم.

مراسم دفن ضحايا استهداف كنيسة القدّيس برفيريوس في غزة. مصدر الصورة: الأب غبريال رومانيلّي
مراسم دفن ضحايا استهداف كنيسة القدّيس برفيريوس في غزة. مصدر الصورة: الأب غبريال رومانيلّي

ودعا الأب الأقدس إلى التفكير بجميع أطفال العالم المتأذين من الحرب التي تقضي على مستقبلهم. وأضاف: «لنصلِّ كي نتحلّى بالقوة حتى نقول كفى».

والتقى الحبر الأعظم أمس الاثنين 7500 آلاف طفل من 84 دولة، أتيحت لبعضهم فرصة طرح أسئلة عليه منهم أطفال من فلسطين وأوكرانيا. وتوجّه هؤلاء إلى الأب الأقدس بالسؤال عن كيفية إحلال السلام في العالم فكان جوابه أنه «لا توجد طريقة لتعلّم صنع السلام، لكنّ هناك مبادرة، فالسلام يُصنع بيد ممدودة». وردًّا على سؤال طفل من سوريا عن سبب قتل الأطفال في أثناء الحرب من غير أن يدافع عنهم أحد، قال فرنسيس إنّ هذا هو «شرّ الحرب»، مشيرًا إلى أنّ الأمر سيكون مختلفًا لو قُتِل جنود فحسب، وليس مدنيين أبرياء.

كنيسة العائلة المقدّسة للاتين في غزة. مصدر الصورة: الأب يوسف أسعد
كنيسة العائلة المقدّسة للاتين في غزة. مصدر الصورة: الأب يوسف أسعد

تجدر الإشارة إلى أنّ الاضطرابات الأمنية في الأيام الثلاثين الماضية شملت الأرض السورية أيضًا بخاصة مع قصف مطارَي دمشق وحلب المتكرّر، إلا أنّ وتيرة العنف كانت أكبر ولمّا تزل على الحدود الجنوبية للبنان، حيث لم يسلم الصحافيون والمدنيون.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته