المسيحيّة متجذّرة في غزة... والقرون الوسطى تشهد

صورة قديمة لأطفال لاجئين مع كاهن رعيّة اللاتين في غزة صورة قديمة لأطفال لاجئين مع كاهن رعيّة اللاتين في غزة | مصدر الصور: البطريركيّة اللاتينيّة – القدس

تقع مدينة غزة جنوب بلاد الشام على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وهي واحدة من أقدم مدن العالم وأهمّها في التاريخ بحكم موقعها الاستراتيجي وكذلك الجغرافي الذي جعل منها ممرًّا لطريق الحرير. أما الحضور المسيحي فيها فعمره 1800 سنة على الأقل. 

يعود تاريخ دخول المسيحية إلى غزة للقرون الميلادية الأولى، ومن المحتمل أنّ الشماس فيليبس قد بشّر بها في القرن الأول الميلادي. لكنّ المؤكّد أنّ المسيحية كانت حاضرة في القرن الثالث، وبزخم أكبر في القرن الرابع. أما انتصارها على المعتقدات الدينية المحلّية والرومانية فجاء في أواخر هذا القرن بفضل القرار المفصلي في التاريخ الإنساني المتمثل بإعلان الإمبراطور ثيودوسيوس الأول الديانة المسيحية دينًا رسميًّا للإمبراطورية الرومانية. 

وعلى الرغم من أنّ كنيسة المدينة ليست أقدم ثالث كنيسة في العالم كما هو شائع، فهي تُعدّ من أعرق الكنائس في العالم والأقدم في غزة؛ إذ بُنيت في الربع الأول من القرن الخامس، وذلك بفضل الأسقف برفيريوس الذي أصبح لاحقًا قديسًا وشيفعًا للمدينة، لتحمل الكنيسة اسمه. 

شُيِّدت الكنيسة على الطراز البيزنطي بهيئة سفينة ترمز إلى طوق النجاة فوق معبد خشبي جرى حرقه. وتتميز بقبابها وأقواسها وأعمدتها الرخامية الكورنثية والتاجية، بالإضافة إلى وجود قبر برفيريوس، لكنه الآن فارغ بعد نقل جثمان القديس إلى مسقط رأسه في تسالونيكي، اليونان.

صورة قديمة تُظهر أعمال بناء الكنيسة الأولى للاتين في غزة. مصدر الصور: البطريركيّة اللاتينيّة – القدس
صورة قديمة تُظهر أعمال بناء الكنيسة الأولى للاتين في غزة. مصدر الصور: البطريركيّة اللاتينيّة – القدس

الكنيسة اللاتينيّة 

بالنسبة إلى الكنيسة اللاتينية، فقد وصل إلى غزة في العام 1869 (بالتزامن مع افتتاح قناة السويس وانفتاح الدولة العثمانية على الغرب الأوروبي) الأب جان موريتان ليبدأ بتأسيس رعية للاتين فيها بعدما أسّس رعيتَي بيت جالا وبيت ساحور. وبعد عشر سنوات، افتُتحت الرعية رسميًّا على يد الكاهن النمساوي جورج غات، بعدما وصل إلى المدينة رفقة الكاهن الماروني نعمة الله ضومط. وقد بلغ عدد الكاثوليك في المدينة حينها 30 مؤمنًا، أصبح 71 عام 1881.

اشترى الأب غات ثلاثة بيوت قديمة ليبني مكانها كنيسة، إلا أنّ الحرب العالمية الأولى وضعت حدًّا لأحلامه. لكن، بعد حرب 1948 وقدوم كثيرين من المهجّرين الفلسطينيين إلى غزة ومنهم عدد لا بأس به من الكاثوليك، أصبح بناء الكنيسة أمرًا ملحًّا. فرأت الأخيرة الضوء عام 1965 على يد الأب حنا النمري.

أما بالنسبة إلى الكنيسة البروتستانتية، فوُجدت في المدينة منذ القرن التاسع عشر بفضل البعثات التبشيرية الواصلة إليها من إنكلترا. 

اليوم هناك مئات المسيحيين المحاصرين في غزة، لا يعرفون ماذا ستحمل الساعات والأيام المقبلة لهم، لكنّ إيمانهم عظيم وصلاة المسبحة الوردية لا تغيب عنهم، ليقينهم بأنّ «العذراء مريم لن تترك أبناءها» كما أوضحت إحدى السيدات المسيحيات هناك لـ«آسي مينا».

استهداف المركز الثقافي الأرثوذكسي

في ما يتعلق بآخر تطورات الشأن المسيحي في غزة، تعرّض المركز الثقافي الأرثوذكسي الذي افتُتح قبل عامين لاستهداف أدى إلى تدميره كليًّا. وترافق ذلك مع أضرار لحقت بالمدرسة المسيحية المجاورة له. وقد أدانت بطريركية الروم الأرثوذكس المقدسية في بيان بأشدّ العبارات استهداف المبنى والبنية التحتية عمومًا، مؤكّدةً أنّ هذا الفعل «ليس له أي مبرر عقلاني ولا أساس إنساني ولا يتماشى مع أدنى القيم الأخلاقية»

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته