مع احتفال أبرشيّة الموصل وتوابعها للسريان الكاثوليك بتكريس مذبح كاتدرائيّة الطاهرة بحوش البيعة في الموصل القديمة والتي زارها البابا فرنسيس، عادت التساؤلات بشأن جدوى إعمار كنائس المدينة في ظلّ عودةٍ محدودة لمسيحيّيها عقب قرابة عقدٍ على تحريرها من تنظيم داعش الإرهابيّ.
أكّد المطران ميخائيل نجيب، راعي أبرشيّة الموصل الكلدانيّة، في حديثه عبر «آسي مينا» أنّ الاجتهاد في إعمار كنائس الأبرشيّة ليس مجرّد تعبيرٍ عن اعتزازٍ بالجذور وسعيٍ إلى الحفاظ على تاريخٍ وتراثٍ يستحقّان كلّ تقديرٍ، وحسب، «بل هو دعوةٌ لكلّ أبنائنا ليوثّقوا ارتباطهم بجذورهم».
المطران ميخائيل نجيب. مصدر الصورة: المطران ميخائيل نجيب
تكريس مذبح كنيسة الطاهرة والاحتفال بالقدّاس الأوّل فيها. مصدر الصورة: صفحة أبرشيّة الموصل للسريان الكاثوليك
إضاءة شمعة رجاء
وفي هذا الصدد، قال الأب عمّانوئيل كلّو، مسؤول كنائس السريان الكاثوليك في الموصل، إنّ إعمار أيّ كنيسة يجب أن يُفهَم على أنّه شمعة رجاءٍ تُضاء في مدينةٍ تضمّ كنائسَ يتجاوز عمرها ألفًا وخمسمئة عام، كانت وما زالت شاهدة على عمق جذور المسيحيّة في الموصل وتاريخها وتراثها.
وتساءل في خلال حديثه عبر «آسي مينا»: «هل نترك كنائس في الموصل، هي أقدَم من دولٍ عدّة، مهدّمةً لقلّة عدد مسيحيّيها العائدين؟».
الأب عمّانوئيل كلّو. مصدر الصورة: صفحة أبرشيّة الموصل للسريان الكاثوليك
تهيئة أرضيّة صالحة للعودة
وأبرزَ نجيب أهمّية هذه الحركة العمرانيّة في الحفاظ على الحضور المسيحيّ في الموصل الذي لا يزال خجولًا، وتهيئة أرضيّة صلبة وصالحة روحيًّا للراغبين في العودة إلى مدينتهم، «فواجب الكنيسة أن تكون حاضرة دومًا مع أبنائها لتساندهم في بنيان البشر والحجر في آنٍ واحد، وتعضدهم وتنير طريق العودة أمامهم وتساندعم لمواجهة التحدّيات المعاصرة».
من جانبه، أشار كلّو إلى امتلاء كنيسة الطاهرة بالمؤمنين، يوم تكريس مذبحها، قائلًا: «هؤلاء لا يعيشون اليوم في الموصل، لكنّ الموصل تعيش فيهم، فهنا ولدوا، وفي هذه الكنيسة نالوا الأسرار المقدّسة، وارتباطهم بها وثيقٌ لا ينقطع».
أُجْبِر مسيحيّو الموصل على مغادرة مدينتهم إبّان التهجير القسريّ عام 2014، ورغم الحضور المسيحيّ المتواضع فيها اليوم، يعيش المؤمنون العائدون إيمانهم و«واجبنا نحن الكنيسة أن نكون حاضرين معهم دائمًا لنلبّي احتياجاتهم الروحيّة»، بحسب كلّو.
كاتدرائية الطاهرة ودار مطرانية السريان الكاثوليك في منطقة حوش البيعة-الموصل، العراق. مصدر الصورة: صفحة أبرشيّة الموصل للسريان الكاثوليك
وأردف: «واجبي ورسالتي بصفتي كاهنًا موصليًّا هما أن أعيد إعمار كنائسنا كلّها، لتبقى شاهدة على الحضور المسيحيّ في المدينة وجذورنا الممتدّة لآلاف السنين، وأدعو مسيحيّي الموصل، أينما وجدوا اليوم، إلى دعم الكنيسة ونشاطها العمرانيّ، لنحافظ على تاريخنا وتراثنا ووجودنا».
آثار الدمار في كنيسة مسكنته في الموصل، العراق. مصدر الصورة: المطران ميخائيل نجيب
كنيستنا مبنيّة على صخرة
وفيما أكّد نجيب أنّ «كنيسة المسيح ما انفكّت ثابتة على إيمان الرسل منذ ألفَي عام، وقائمة بأبنائها ومبانيها، وسوف تبقى، لأنّها مبنية على الصخرة التي لا تتزعزع»، وجّه كلّو كلامه إلى «بعض المسيحيّين المتسائلين عن جدوى إعمار كنائس الموصل في ظلّ غياب مسيحيّيها»، قائلًا: «إنّ تساؤلكم البليد هذا بعيد جدًّا عن الرجاء المسيحيّ، وتذكّروا دائمًا أنّنا أبناء الرجاء».
الجدير بالذكر أنّ أبرشيّة الموصل وكركوك وكردستان للسريان الأرثوذكس سعت هي الأخرى إلى إعمار كنائسها بالموصل بالتعاون مع منظّمات دوليّة.
صورة من إقامة قداس للمرّة الأولى في كنيسة مسكنتة المدمّرة في الموصل عام 2022. مصدر الصورة: اسماعيل عدنان/آسي مينا
في خلال حديثه ضمن الوثائقيّ الذي أطلقته الشبكة التلفزيونيّة للكلمة الأزليّة الإخباريّة «إي دبليو تي إن نيوز» بالتعاون مع شريكها الإخباريّ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا «آسي مينا»، بشأن معاناة مسيحيّي العراق، عقب عشر سنوات على مأساة احتلال تنظيم داعش الإرهابيّ الموصل وقرى سهل نينوى وبلداته، نبّه الأب عمانوئيل كلّو، مسؤول كنائس السريان الكاثوليك في الموصل، إلى الدور المهمّ والتأثير الفاعل لرحلة البابا فرنسيس التاريخيّة إلى العراق.
أكّد راعي أبرشيّة البصرة والجنوب الكلدانيّة المطران حبيب هرمز في حديث لـ«آسي مينا» أنّ التحدّي الأبرز الذي تواجهه مباني كنائس أبرشيّته هو تهالكها بعد عقودٍ على إنشائها، لا سيّما بسبب الرطوبة العالية وارتفاع نسبة الملوحة في التربة، فضلًا عن تحدّيات الحروب وآثار سقوط القنابل على كنائس عدّة.
حظي تبرّع ثريَّيْن فرنسيَّيْن بميراثهما لإعادة إعمار كنيسة أمّ المعونة ومدرستها في الموصل العراقيّة، المدمَّرة بأيدي تنظيم داعش الإرهابيّ، بتثمينٍ وتقديرٍ بارزَين. وحفّز الموضوع تساؤلات عدّة حول مصادر تمويل إعادة إعمار الكنائس المدمّرة بأيدي التنظيم الإرهابيّ في الموصل ومحيطها، وإن كانت الدولة العراقيّة تتحمّل مسؤولية أيضًا في تمويل هذا الإعمار.