كنيسة مار توما في الموصل... منارة لم يستطع داعش إطفاء وهجها

كنيسة مار توما في الموصل-غلاف كنيسة مار توما في الموصل | Provided by: Biblical Studies Center, St. Thomas Church/Mosul
كنيسة مار توما في الموصل-1 كنيسة مار توما في الموصل | Provided by: Biblical Studies Center, St. Thomas Church/Mosul
كنيسة مار توما في الموصل-2 الاحتفال بأوّل قداس في كنيسة مار توما بعد تحريرها من قبضة داعش في 3 يوليو/تمّوز 2018 بمناسبة عيد شفيعها | Provided by: Biblical Studies Center, St. Thomas Church/Mosul

لا تقتصر كنيسة مار توما للسريان الكاثوليك الواقعة في الجانب الأيمن من الموصل شمالي العراق على كونها كنيسة تاريخيّة، بل يمكن اعتبارها مركزًا ثقافيًّا مهمًّا، فهذا الصرح المُشيّد في العام 1863 شهد على مدى 160 عامًا حركة إيمانيّة ونشاطات ثقافيّة وكتابيّة لم تتوقّف على الرغم من كل ما مرّ به من أحداث.

منذ العام 1962، تميّزت الكنيسة بكونها مقرًّا لكهنة يسوع الملك، وهي أوّل جماعة كهنوتيّة في العراق تبنّت الحياة المشتركة، وساهمت في تفعيل الأنشطة الشبابيّة والرسوليّة العلمانيّة مثل الحلقات الدراسيّة، والأخويّة المريميّة، والشبيبة الطالبة المسيحيّة، والندوات الجامعيّة، فضلًا عن تأسيس مركز الدراسات الكتابيّة، ودار بيبليا للترجمة والنشر. أضف إلى ذلك إصدار سلسلة الفكر المسيحي منذ العام 1964 والتي تطوّرت إلى مجلّة دينيّة ثقافيّة شهريّة متعدّدة الأبواب، واستمرّت في الصدور من كنيسة مار توما حتى العام 1995، وتولّى إصدارها الآباء الدومينيكان في العراق. وحازت المجلّة في العام 2007 الميداليّة الذهبيّة من الاتّحاد الكاثوليكي الدولي للصحافة UCIP.

كذلك، احتضنت الكنيسة مكتبةً عامرة بالمخطوطات السريانيّة النادرة التي يعود تاريخ بعضها إلى عشرة قرون خلت، وأخرى باللغتَيْن السريانيّة والعربيّة. وضمّت الكنيسة أيضًا متحفًا تراثيًّا زاخرًا بالمقتنيات شكّل أحد معالم الموصل الحضاريّة والأوّل من نوعه فيها. وازدهرت في جناحٍ قرب الكنيسة مدرستان باسم مار توما للبنين والبنات، درس فيها أبناء المدينة من مختلف الطوائف بلا تمييز.

كنيسة مار توما في الموصل. Provided by: Biblical Studies Center, St. Thomas Church/Mosul
كنيسة مار توما في الموصل. Provided by: Biblical Studies Center, St. Thomas Church/Mosul

بُعيد سقوط الموصل في أيدي تنظيم داعش، تعرّضت الكنيسة لتدمير وتخريب متعمّد، فكُسِرَت صلبانها ونُهِبَت موجودات المتحف والمكتبة أو أُحْرِقَت، فيما سلم بعضها الذي حافظ عليه السكان المحلّيون. ويُعتقد أن داعش استخدمها كمحكمة وسجن.

بعد التحرير في العام 2017، سعى كاهن كنيسة مار توما الأب بيوس عفاص إلى حشد الدعم لإعادة إعمارها بتبرّعات أبنائها ومؤازرة المنظمات الدوليّة ليكون الاحتفال بأوّل قداس فيها، بعد استعادتها بعضًا من عافيتها، في 3 يوليو/تمّوز 2018 بمناسبة عيد شفيعها مار توما، رسول المشرق. ومع تواصل الإعمار، وبمناسبة عيد الصليب المقدّس، رُفِعَ على برج الجرس بالكنيسة، في 18 سبتمبر/أيلول2021، ناقوس جديد صُنِعَ خصّيصًا لها في لبنان ليكون أوّل ناقوس يقرع أجراسه في الجانب الأيمن من المدينة، بعد 7 سنوات من الصمت.

وفي إطار سعيه إلى تسليط الضوء على محنة مسيحيي العراق وما واجهوه من اضطهادٍ وعنف، وما تعرّضت له كنائسهم من تخريب ودمار، قدّم الأب عفاص في 13 ديسمبر/كانون الأوّل 2022 شهادة أمام إحدى لجان البرلمان الأوروبي المعنيّة بشؤون الحرّية الدينيّة في ستراسبورغ بفرنسا حول مسيحيي العراق وأوضاعهم، ولا سيّما في مدينة الموصل إبّان احتلال داعش وفي الفترة التي سبقته، مع إشارة خاصّة إلى ما لحق بكنيسة مار توما من أضرار ودمار بما في ذلك مكتبتها ومتحفها.

شهادة الأب بيوس عفاص أمام البرلمان الأوروبي. Provided by: Biblical Studies Center, St. Thomas Church/Mosul
شهادة الأب بيوس عفاص أمام البرلمان الأوروبي. Provided by: Biblical Studies Center, St. Thomas Church/Mosul

وكمصدر إشعاع يأبى الأفول، واصلت دار بيبليا نشر مطبوعاتها المتخصّصة بدراسات الكتاب المقدّس بعد التهجير من مقرّها الجديد بعنكاوا في أربيل، وأصدرت في العام 2021 «دليل كنيسة مار توما، ماضيها وحاضرها»، فعادت الحياة إلى الدورة الكتابيّة في المقرّ الجديد.

يُشار إلى أن الاحتفال بالذبيحة الإلهيّة في الكنيسة يتمّ على نحوٍ متقطّع إذ يحضر المصلّون بباصاتٍ تقلّهم إلى الكنيسة، ثمّ يغادرون المدينة بعد القداس. ولا يتجاوز عدد العائلات المسيحيّة العائدة إلى الموصل بضعة عشرات، فيما يقصدها مئاتٌ منهم يوميًّا للالتحاق بوظائفهم ثمّ يغادرونها إلى أماكن سكنهم خارجها، في أربيل ودهوك أو قرى سهل نينوى.

ويُذكر أن الأبوَيْن بيوس عفاص ومازن متوكا، كاهنَي الكنيسة في حينه، قد تعرّضا للخطف في العام 2007 على أيدي جماعات مسلّحة، وأُفرج عنهما لاحقًا ليوثّق الأب عفاص هذه الخبرة في كتاب «مختطف يعيد قراءة حياته». كما أن أسقفَيْن قد اختُطِفا أيضًا، وهما المطران جرجس القسّ موسى في العام 2005 ليُطلَق سراحه في ما بعد، والمطران الشهيد بولص فرج رحّو الذي عُثِرَ على جثّته في 13 مارس/آذار 2008.

 

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته