البابا فرنسيس في عيون السوريّين... راعٍ قريب من المتألّمين
البابا فرنسيس يستقبل المشاركين في مبادرة «مستشفيات مفتوحة» في سوريا، ويحمل صورة أبٍ سوريٍّ وابنه هاربَين من عنف الحرب. (الفاتيكان-3 سبتمبر/أيلول 2022) | مصدر الصورة: فاتيكان ميديا
منذ بداية حبريّته، تميّز البابا فرنسيس بقربه الروحيّ والإنسانيّ من السوريّين الذي عانوا، وما زالوا، ويلات الحروب. في هذا السياق، التقى الحبر الرومانيّ عشرات الشخصيّات السوريّة التي كشفت وجهه غير التقليديّ وشخصيّته التي اتّسمت بدِفءٍ نادر.
في هذا المقال، نستعرض شهادات ثلاث شخصيّات دينيّة سوريّة قابلت البابا فرنسيس، وشاركت عبر «آسي مينا» تفاصيل تلك اللقاءات التي تركت أثرًا عميقًا.
البابا فرنسيس يُقدّم جائزة الأمّ تريزا إلى المطران حنا جلوف. مصدر الصورة: فاتيكان ميديا
«عَلَّمَنا التواضع»
استعاد النائب الرسوليّ في حلب ورئيس الكنيسة اللاتينيّة في سوريا المطران حنّا جلوف اللحظات التي شعر فيها بقرب البابا فرنسيس من شعب سوريا، مشيرًا إلى أنّ «البابا كان دائمًا إلى جانبنا في كلّ أوقات الحرب». وأوضح أنّه تلقّى منه، مع الأب لؤي بشارات الفرنسيسكانيّ، رسالة خاصّة عبّرَ فيها عن تضامنه مع كنيسة إدلب ومسيحيّيها.
وتوقّف جلوف عند فعل مؤثّر حصل في أثناء تكريمه ونيله جائزة الأمّ تريزا عام 2022 مع رجل ثريّ قدّم مدخوله إلى الكنيسة، ومتسوّل (منذ 40 عامًا في مترو روما)، إذ أشار إلى تقبيل البابا فرنسيس يدَ المتسوّل. وقال «بهذا، علّمنا الحبر الراحل درسًا عظيمًا في التواضع والخدمة».
كما تحدّث النائب الرسوليّ عن لقاء آخَر جمعه مع البابا في حضور عدد من الأساقفة في أغسطس/آب الماضي، قال الحبر الأعظم في خلاله: «لا أحبّ الأساقفة الذين لديهم أنوف مرفوعة (مُتعالين)... نريد أساقفة تكون رائحة ثيابهم مطبوعة برائحة رعيّتهم». وعبَّر جلوف عن مدى تأثير هذه الكلمات فيه، مشيرًا إلى رمزيّة اسم البابا فرنسيس، كونه أوّل بابا يختار هذا الاسم تيمّنًا بالقدّيس فرنسيس الأسيزيّ، مؤسّس الرهبانيّة التي ينتمي إليها.
لقاء الأب فريد بطرس والبابا فرنسيس في الفاتيكان. مصدر الصورة: الأب فريد بطرس
حُضنُه أقوى من الكلمات
أمّا راعي الكنيسة الكلدانيّة في دمشق، الأب فريد بطرس، فقد اختصر لقاءه القصير مع البابا في لحظة معبّرة، قائلًا: «كنتُ مع مجموعة من الكهنة وطلبتُ منه الصلاة لأجل السلام في سوريا، فأكّد لي أنّه يُصلّي لنا دائمًا، ثم بادر إلى معانقتي عندما أحسّ بألمي».
وعلّق الأب بطرس على هذه اللحظة: «أيقنتُ أنّ القادرين على الشعور بآلام الآخرين، هم وحدهم مَن يُمكنهم بناء السلام».
«يُصغي بعمق ويتأثّر بصدق»
من جهتها، استعرضت الرئيسة الإقليميّة لأوروبا والشرق الأوسط في رهبانيّة يسوع ومريم، الأخت آني دمرجيان، ثلاث محطّات مؤثّرة جَمعتها مع البابا فرنسيس، بدءًا باللقاء الأوّل عام 2013، حينما طلبت منه الصلاة لسوريا، فأجابها بعينَين دامعتَين: «أحملُ شعب سوريا في قلبي وفي صلاتي... إنّي أصلّي من أجلكم». ووصفت هذه اللحظة بأنّها حميميّة ومُفعمة بالبساطة، مشيرةً إلى روح الدعابة التي لمستها فيه عندما اعتمر قبّعة قدّمتها إليه ثمّ وضعها على رأس رئيسة رهبانيّتها.
في اللقاء الثاني الذي تمّ في خلال مشاركتها بمؤتمر «تاليتا كوم» لمحاربة الاتّجار بالبشر، أكّدت دمرجيان أنّها قدّمت إلى البابا لوحة للعذراء، رسمها الفنّان السوريّ نعمت بدوي، مصنوعة من حطام كنائس دُمّرت في الحرب، وتُمثّل المرأة السوريّة. وأشارت إلى تأثّر البابا بعمق في أثناء شرحها معنى اللوحة، إذ «كان يُصغي بكلّ انتباه وتأمّل»، حسب تعبيرها.
وفي اللقاء الثالث عام 2018، كشفت دمرجيان أنّها قدّمت إلى البابا فرنسيس، مع فتاة من جمعيّة عون الكنيسة المتألّمة، شمعة كبيرة (مع ملفّ مرفق)، صَمَّمها في سوريا ضمن ظروف صعبة الحرفيّ بيير العيسى، وتحكي عبْر أربعين صورة ملتصقة بها قصّة معاناة الشعب السوريّ، وخصوصًا الأطفال. كما أهدياه فواصل للصفحات (بوكماركس) صنعتها إحدى السيّدات في حلب على شكل صليب بأسلوب فنّ الكروشيه.
البابا فرنسيس يتسلّم شمعة كبيرة تحمل صورًا لأطفال سوريا وضحايا النزاعات في العالم. مصدر الصورة: ACN Slovensko
وعبّرت دمرجيان عن سعادتها الكبيرة وتأثّرها عندما أضاء البابا الشمعة أمام الحاضرين بعد صلاة التبشير الملائكيّ، وصلّى لأجل السلام في سوريا. وأضافت: «في تلك الزيارة، أقمتُ لمدّة يومَين في دار سانتا مارتا (مكان إقامة البابا). كنتُ أرى، في أثناء تناول الوجبات الثلاث، كيف كان يأخذ زاوية مع مرافقه بهدوء ويأكل طعامًا بسيطًا ثمّ يُغادر».
وختمت دمرجيان: «من خلال اللقاءات الثلاثة، اختبرتُ فيه شخصًا هادئًا جدًّا يحمل روح الدعابة والفرح، وفي الوقت عينه كان مصغيًا إلى أبعد حدود. لم يَظهر البابا فرنسيس لأجل الظهور، بل كان يعمل بتواضع، وكان يعيش ما يقوله».
منذ لحظة تولّيه كرسيّ روما الرسوليّ، ارتبط اسم البابا الراحل فرنسيس بسوريا؛ فهو أوّل حبر رومانيّ غير أوروبيّ يتبوّأ هذا المنصب منذ غريغوريوس الثالث (731-741) المولود في سوريا، بفارق 1282 عامًا.