في أنوار القيامة... كيف نفهم التضحية بالبريء لنيل الخلاص؟

لوحة تقديس الحَمَل للفنّان يان فان إيك لوحة تقديس الحَمَل للفنّان يان فان إيك | مصدر الصورة: ويكيميديا كومونز

تُعيد ذكرى موت المسيح وقيامته إلى الأذهان سؤالًا لطالما حيّر المجتمعات البشريّة منذ نشوئها، وتناولَه المفكِّر الفرنسيّ رينيه جيرار بالتحليل وبنى عليه نظريّة «المحاكاة» ساعيًا إلى فهم تطوّر تماسك المجموعات البشريّة، طارحًا ذلك السؤال الجوهريّ: ما هو مصدر العنف في المجتمعات البشريّة؟

يُقدِّم الكتاب المقدّس في سفر اللّاويين (16) مفتاح الإجابة بِسَرده قصّة إلقاء هارون الكاهن القرعةَ بين تَيسَين، أحدهما يُقدَّم للربّ ذبيحةَ كفّارةٍ عن الخطايا، ويُطْلَق الثاني إلى البرّيّة مُعلِنًا حمل الخطايا ورفعها، في طقوسٍ ما زالت تتكرّر في عيد كيبور اليهوديّ، فكبش الفداء يغسل بدمه وموته خطيئة الجماعة، وفق ما شرح المطران د. يوسف توما، راعي أبرشيّة كركوك والسليمانيّة الكلدانيّة، في حديثه عبر «آسي مينا».

المطران يوسف توما. مصدر الصورة: المطران يوسف توما
المطران يوسف توما. مصدر الصورة: المطران يوسف توما

رمزٌ للمسيح... مصلوبًا وقائمًا

وقال: «المفسّرون يرون أنّ كلا التَيسَين يرمز إلى المسيح؛ فالمذبوح يُشير إلى الذي صُلِب ومات بسبب خطايانا، في حين أنّ الذي أطلِق حيًّا يُشير إليه لجهة كونه قام غافرًا خطايانا، مقدِّمًا حلًّا إلهيًّا يتدارك انتشار العنف في المجتمع، وطارحًا بديلًا من فناء الجميع، وهو السبيل الوحيد للخروج من عنف الجميع ضدّ الجميع، مقدِّمًا نفسه ضحيّةً وكبش فداءٍ ومخلِّصًا».

كبش الفداء

حاول جيرار فهم آليّة تقديم «كبش فداء» لامتصاص العنف من جماعة الناس الخائفين من أن يُنهي العنف المستشري مجتمعهم. وفي سعيه إلى تفسيرها، لاحظ أنّ كبش الفداء يكون دائمًا شخصًا بريئًا، لم يرتكب خطأ، لكنّ المجتمع يرى أنّ الطريقة الوحيدة لتهدئته وإعادة توازنه عقب وباءٍ أو كارثةٍ طبيعيّة ما هدّدت وجوده، هي اختلاق مجرم جماعيّ، يخدم الجماعة بأن تُسقِط عليه تبعات صراعاتها العميقة. فَقَصْدُ طقسِ «كبش الفداء» هو تطهير المجتمع من خطاياه، فيَستعيدَ انسجامه عِوَض تحويل عنفه نحو الداخل.

وفي هذا الصدد، بيَّنَ توما أنّ شابًّا اسمه يسوع المسيح جاء قبل ألفَي عام، رفض أن يسكت وفضَحَ هذا المنطق الظالم المتمثّل بصبّ الغضب على الضحيّة، فقاوم العنف في أعماق البشر، كاشفًا عجزَه عن حلّ أيّ صراع في المجتمع.

خروف الفصح. مصدر الصورة: Zafer Murat/Pinterest
خروف الفصح. مصدر الصورة: Zafer Murat/Pinterest

قتل البريء فضيحةٌ لقاتليه

وأضاف: «إذ لم يفهموه، كلّمهم بالأمثال مُنذِرًا: "إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذلِكَ تَهْلِكُونَ"، وعمل على إيصال رسالةٍ بسيطة لتلاميذه، رسالة تكشف منطق العنف الأخرق، كي يتحوَّل أتباعه إلى ثوّار على أنفسهم، فيعترفون ببراءة الضحيّة، وصار هو الضحيّة المظلومة البريئة، ليصبح موته فضيحةً للقَتَلة».

وختم توما: «الخلاص هو أن نتحرّر من جذور العنف الذي فينا، من الرغبة الكاذبة الموحية لنا بالانتقام، من الوهم الفرديّ والجماعيّ بأن نكون أكثر ممّا نحن عليه، فحين يدعونا ربّنا: "اسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلّا تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ"، يقصد أيضًا تجربة أوهام القوّة والمنافسة وعدوى الرغبة التي تُصيبنا بالمحاكاة. فالمسيح يخلِّص كل فردٍ وكلّ جماعة من كلّ هذا».

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته