البابا فرنسيس لمؤتمر المناخ: لنخرج من ليل الحروب والدمار البيئيّ

الكاردينال بارولين يلقي كلمة البابا فرنسيس ضمن مؤتمر الأطراف في اتفاقيّة الأمم المتحدة الإطاريّة بشأن تغيُّر المناخ المنعقد في دبي-الإمارات الكاردينال بارولين يلقي كلمة البابا فرنسيس ضمن مؤتمر الأطراف في اتفاقيّة الأمم المتحدة الإطاريّة بشأن تغيُّر المناخ المنعقد في دبي-الإمارات | مصدر الصورة: قناة COP28 في يوتيوب

أكّد البابا فرنسيس دعم الكرسيّ الرسولي تبنّي رؤية بديلة ومشتركة من شأنها أن تسمح بتغيّرٍ بيئيّ. وشدّد على أنّ طمع الإنتاج والامتلاك تحوَّل إلى هوس وأدّى إلى جشع لا حدود له، جعل البيئة موضوع استغلال جامح.

جاء ذلك في كلمة الحبر الأعظم ضمن مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ المنعقد في دبي-الإمارات العربيّة المتحدة. وألقى الكلمة اليوم أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين الذي ترأس وفد الكرسي الرسولي في المؤتمر بعد تعذّر حضور البابا فرنسيس لأسبابٍ صحّية.

وقال الأب الأقدس: «للأسف لا أستطيع أن أكون معكم، كما كنت أتمنّى، ولكن أنا معكم لأنّ الوقت عاجل وملِّح. أنا معكم لأنّ مستقبل الجميع يعتمد الآن أكثر من أيّ وقت مضى على الحاضر الذي نختاره. أنا معكم لأنّ تدمير الخليقة هو إهانة لله، وهو خطيئة ليست فقط شخصيّة، بل هيكليّة تؤثّر على البشر، وبخاصّة على الأضعفين. وهذا خطر جسيم يهدّد الجميع، ويوشك أن يفجِّرَ صراعًا بين الأجيال. أنا معكم لأطرح سؤالًا نحن مدعوّون إلى الإجابة عنه الآن: هل نعمل من أجل ثقافة الحياة أم الموت؟ أطلب منكم، من قلبي، ليكن خيارنا هو الحياة، ليكن المستقبل! لِنُصغِ إلى أنين الأرض، ولْنُصغِ إلى صراخ الفقراء، ولْنصُغِ إلى أمل الشّباب وأحلام الأطفال! تقع على عاتقنا مسؤوليّة كبيرة: أن نضمن عدم حرمانهم من مستقبلهم».

وشدّد الحبر الأعظم على أنّ «طمع الإنتاج والامتلاك تحوَّل إلى هوس وأدّى إلى جشع لا حدود له، جعل البيئة موضوع استغلال جامح».

وأكّد أنّ «جنون المناخ يقرع جرس التّحذير لوقف هذيان القدرة المطلقة. لِنَعُدْ ونعترف بحدودنا بتواضع وشجاعة، هذه هي الطّريقة الوحيدة لحياة كاملة». وتساءل فرنسيس: «ما الذي يعيق هذه المسيرة؟»، مجيبًا: «الانقسامات الموجودة بيننا».

ورأى أنّ «المحاولات الرّامية إلى إلقاء المسؤوليّة على الفقراء وعلى عدد الولادات لافتة للنظر». وتابع: «هذه أمور ممنوع ذكرها، لكن يجب فضح زورها بحزم. ليس الخطأُ خطأَ الفقراء، لأنّ ما يقرُب من نصف فقراء العالم مسؤولون عن 10% فقط من الانبعاثات الملوّثة، في حين أنّ الفجوة بين القلّة من الأثرياء والمحتاجين على كثرتهم زاد حجمها أكثر من كلّ زمن مضى. هؤلاء هم في الواقع ضحايا ما يحدث: لنفكّر في السّكان الأصليّين، وإزالة الغابات، ومأساة الجوع، وانعدام الأمن المائي والغذائي، وتدفّق موجات الهجرة».

وأضاف الأب الأقدس: «ما هو الطّريق للخروج من هذا الوضع؟ الطّريق الذي تتبعونه هذه الأيام هو طريق الجميع معًا، أي التّعدديّة». وأكّد أنّ «من الضّروريّ أن نبني من جديد الثّقة، وهي أساس التّعدديّة». وتابع: «هذا الأمر ينطبق على الاعتناء بالخليقة وعلى السّلام أيضًا: إنّها القضايا الأكثر إلحاحًا وهي مترابطة في ما بينها. كَم من الطّاقات تَهدر البشريّة في الحروب الكثيرة الدّائرة اليوم، كما هي الحال في إسرائيل وفلسطين، وفي أوكرانيا وفي مناطق عدّة من العالم: وكلّها صراعات لن تَحِلَّ المشكلات، بل تزيدها! كَم من الموارد تُنفَق على الأسلحة، التي تدمّر الأرواح وتدمّر بيتنا المُشترك».

وتابع: «المال الذي يُستخدَم في السّلاح والنّفقات العسكريّة الأخرى، فليكن لإنشاء صندوق عالميّ، من أجل القضاء على الجوع نهائيًّا (رسالة بابويّة عامّة، كلّنا إخوة- 262؛ القدّيس بولس السّادس، رسالة بابويّة عامّة، 51)، ومن أجل تحقيق الأنشطة التي تدعم التّنمية المستدامة للبلدان الفقيرة، ومكافحة تغيّر المناخ».

وشدّد البابا فرنسيس على أنّ «تغيّر المناخ يشير إلى ضرورةِ تغيّرٍ سياسيّ. لنخرج من قيود الخصوصيّات والقوميّات، لأنّها تنظيمات من الماضي. لنتبنَّ رؤية بديلة، ومشتركة: فهي ستسمح بتغيّرٍ بيئيّ... وفي هذا الأمر أؤكّد التزامَ الكنيسة الكاثوليكيّة ودعمها، وهي فعّالة خاصّة في التّربية والتّوعية على المُشاركة العامّة، وأيضًا في تعزيز أساليب الحياة، لأنّ المسؤوليّة هي مسؤوليّة الجميع ومسؤوليّة كلّ واحدٍ أساسيّة».

وتابع: «ليكن مؤتمر الأطراف هذا نقطة تحوّل: ليُظهر إرادة سياسيّة واضحة وعمليّة، تحمل إلى تسريعٍ حاسمٍ للتحوّل البيئيّ، باتّباع سُبُل لها ثلاث ميّزات: أن تكون "فعّالة، وإلزاميّة، ويمكن مراقبتها بسهولة". ولتتحقّق في أربعة مجالات: الفعّاليّة في استخدام الطّاقة، والمصادر المتجدّدة، وإلغاء الوقود الأحفوري، والتّربية على أساليب حياة تعتمدُ اعتمادًا أقلّ على هذه الأخيرة».

وأضاف الحبر الأعظم: «لنمضِ إلى الأمام، ولا نرجع إلى الوراء... كونوا أنتم صانعي سياسةٍ تقدّم إجابات حقيقيّة ومتماسكة، وتُظهر رفعة المنصب الذي تشغلونه، وكرامة الخدمة التي تؤدّونها. لأنّ هدف السّلطة هو هذا: الخدمة».

وختم متوجّهًا إلى المشاركين في المؤتمر: «لنترك وراءنا الانقسامات ولنوحّد قِوانا! وبمعونة الله، لنخرج من ليل الحروب والدّمار البيئيّ، لكي نحوّل المستقبل المشترك إلى فجرِ نورٍ جديد».

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته