بيتسابالا: مسيحيّو غزة خائفون ويغريهم البحث عن مستقبل أفضل في مكان آخر

بطريرك القدس للاتين، الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا بطريرك القدس للاتين، الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا | مصدر الصورة: البطريركية اللاتينية في القدس

بعنوان «إلى أحبائي في غزة»، أصدر الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين، رسالة مُصوّرة في 25 أكتوبر/تشرين الأول الجاري حضّ فيها شعب غزة المنكوب على عدم اليأس والتمسّك بالشجاعة. 

في السياق نفسه، أجرى الكاردينال بيتسابالا مقابلةً نُشرت أصلًا في الصحيفة الكاثوليكية الأسبوعية «غلاز كونسيليلا» الكرواتية في 16 أكتوبر/تشرين الأول الحالي. وبعد الحصول على إذن مُسبق، ترجمت وكالة الأنباء الكاثوليكية، شريك إخباري لـ«آسي مينا» باللغة الإنجليزية، المقابلة ونشرتها على الموقع.  

في الواقع، لقد أثّر كلٌّ من هجوم «حماس» على إسرائيل وبدء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على ممثّل الكنيسة الكاثوليكية الأسمى في الأراضي المقدسة، الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين، يوم كان موجودًا موقتًا في إيطاليا.

ومع ذلك، تمكّن البطريرك من العودة إلى القدس في 9 أكتوبر/تشرين الأول. وكان قد سافر لحضور اجتماع في الفاتيكان في نهاية أغسطس/آب وسط أجواء هادئة نسبيًّا.

وفي سياق متصل، عُيِّنَ بيتسابالا كاردينالًا في 30 سبتمبر/أيلول. وعاد إلى المنطقة المنكوبة، في رحلة لم تكن سهلة، بمساعدة السلطات المدنية والعسكرية، الإسرائيلية والأردنية.

وفي مقابلته مع الصحيفة الكاثوليكية الأسبوعية «غلاز كونسيليلا» الكرواتية، بعد يومين من عودته إلى القدس، أكّد شعوره بالواجب حيال مكوثه في مقرّ البطريركية. إذ يكتسي وجوده في المقرّ أهميّةً قصوى على الرغم من قدراته المحدودة. إليكم نصّ المقابلة:

كيف تغيّرت الحياة في القدس وإسرائيل منذ بداية الحرب؟ وكيف كانت الحالة عندما عدتَ من إيطاليا؟

نحن حاليًّا في حالة حرب؛ وقد أُعلِن عنها رسميًّا. بناءً على ذلك، فإنّ الوضع مشحون للغاية. تأثرت معظم الأنشطة، إذ إمّا عُلِّقَت أو تراجعت. وتأثرت المدارس، على سبيل المثال، بالإضافة إلى كثير من الأنشطة الأخرى. ولا تُلبّى سوى الأساسيات. كما أصبح التوتر ملموسًا في كل مكان من المتاجر إلى الشوارع والمدن، حيث يختلط الإسرائيليون والفلسطينيون ويتفاعلون بغية تيسير العمل والأمور الحياتية الأخرى. أمّا الآن، فالجميع يحاول التمسك بالحذر. الحالة صعبة ومعقدة للغاية، ومستويات التوتر عالية. وأصبحت، مع الأسف، عواطف الشكّ والعداء سائدة. 

هل أصبح الانقسام أقوى أكثر من أيّ وقت مضى؟

نعم، فالأحداث الوحشية التي شاهدناها في جنوب إسرائيل، ولا سيما في الكيبوتسات والمناطق المتضررة الأخرى، تركت أثرًا دامغًا لدى الرأي العام. ونمت مشاعر الكراهية والشك والغضب بشكل لا يمكن إنكاره. وعلاوةً على ذلك، تختلف التفسيرات والتفاعلات مع هذه الأحداث بشكل كبير لدى الجانبين، ما يؤدي إلى اختلاف واضح في وجهات النظر.

في بيئة مماثلة، ما هو موقف الكنيسة الكاثوليكيّة في الأراضي المقدّسة؟

 تسعى الكنيسة الكاثوليكية إلى البقاء على مسافة قريبة من كل شخص. لا يمكننا قبول مثل هذا السلوك، إذ يتعارض مع قيمنا. ومن الضروري  إعطاء أمل بالمستقبل للشعب الفلسطيني.

وإلى أن يجري التعامل مع القضية الفلسطينية بشكل مناسب، فإنّ حالة عدم الاستقرار ستستمر. ومع ذلك، من الضروري تأكيد أنّ الأفعال التي رأيناها، ليست السبيل الصحيح لتحقيق الهدف المرجو. 

في كل دقيقة، تسمعون أخبار الهجمات واستراتيجيات الحرب بلا انقطاع. هل يشعر المؤمنون بالخوف؟

بالطبع، الخوف مشروع، خصوصًا في وضع المجتمع المسيحي في قطاع غزة والذي يتحمل تهديد الضربات الجوية المستمر. المسيحيون خائفون؛ خائفون على حياتهم اليومية، وقلقون على أطفالهم. للأسف، يبدو مغريًا جدًّا البحث عن مستقبل أفضل في مكان آخر. فقد لجأ الجميع تقريبًا إلى داخل أراضي الوقف بحثًا عن الراحة والدعم. ومع ذلك، يسود الخوف من مستقبل ضبابي وتصعيد محتمل، وجميع هذه المخاوف مشروعة.

المسيحيون يقيمون في غزة، أمّا كاهن رعيتهم فموجود في بيت لحم.

الأب يوسف أسعد حاضرٌ حاليًّا في غزة مع الراهبات. إنّ كاهن الرعية غائب، وهذا أمر مؤسف. ومع ذلك، فالوضع خارج عن نطاق سيطرتنا.

المزيد

كيف يرى المسيحيّون في الأراضي المقدّسة الحرب وكيف يختبرون هذه التجربة، مع العلم أنّهم في غالبيتهم فلسطينيون؟ ما هو الرأي السائد بين الكهنة والمؤمنين؟

تتنوع ردود الفعل بشكل كبير، والجميع يرفض العنف عمومًا. ومع ذلك، تُثار العواطف بشدة أحيانًا، خصوصًا لدى الفلسطينيين المقيمين في فلسطين. فهم يشعرون بغضبٍ عميق. ومع ذلك، نحن متّحدون في رفضنا المشترك لهذه الأساليب وفي دعوتنا إلى التعامل بجدية أكبر مع قضية الشعب الفلسطيني.

لطالما اكتست القضية الفلسطينية أهمّية في نظر الكرسي الرسولي. هل هناك أي تواصل في هذا الشأن، بينما يتردد صدى القنابل والمتفجرات؟ هل من أمل في هذه اللحظة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟

كما أسلفت، إنّ الوصول إلى الحل أمر ضروري. ولكنّ الحل ليس من مهام الوقت الحالي. علينا أن ننتظر حتى ينتهي الوضع السائد قبل أن تُستأنف المناقشات. وعندما نبدأ بتلك المداولات، يتعيّن علينا المضي قدمًا بجدية والتزام أكبر. ويجب أن يكون الهدف إعطاء أمل بالمستقبل للشعب الفلسطيني.

تعزز هذه الأحداث الأخيرة دور الضحية الذي يتمسك به كلا الشعبَين الإسرائيلي والفلسطيني. في وضعٍ مماثل، كيف يمكن للمرء أن يجد مخرجًا من هذه السردية ويبتعد عنها؟

بالفعل، إنه وضع صعب. إذ ينظر كلّ جانب إلى نفسه كضحية ويركّز على آلامه الخاصة، وذلك من دون الاعتراف بمعاناة الآخر في كثير من الأحيان. هذه مشكلة جوهرية علينا التصدي لها. يجب اعتماد مقاربة للعمل مع من يعي المشكلة ويؤيّد رؤية تغيير هذه السردية.

وللبدء بذلك، نحتاج إلى فترة استقرار. يمكننا، أولًا، إدخال سردية جديدة في المدارس، بالتعاون مع القيادات المحلية. وجهود مماثلة، في المدارس المسيحية، يمكن أن تصبح وسيلة لتعزيز الحوار والوحدة بين الناس.

(تستمر القصة أدناه)

بالإضافة إلى الانقسام بين أطراف النزاع، نرى انقسامًا واضحًا في وسائل الإعلام، والمجتمعات، والحياة السياسية عالميًّا. فمنهم من اتخذ موقفًا مؤيدًا لإسرائيل ومنهم من يدعم فلسطين. كيف يجب أن يتعامل المؤمن في كرواتيا، على سبيل المثال، مع الوضع الحالي؟ فالأرواح تُزهق من كلا الجانبَين؛ والجميع يخسر...

في اعتماد مقاربة جزئية، يلتزم الجميع بأفكارهم الشخصية ويختارون المعلومات استنادًا إلى آرائهم المسبقة، وهذه مشكلة بالطبع. فهذه المقاربة تحدّ من رؤية الصورة الكاملة والمعقّدة، والتي تشكّل لبسًا في هذه الحالة الاستثنائية. يجب أن نتجنب تجربة تبسيط الوضع المعقّد. وبدلًا من ذلك، ينبغي أن نعتمد مقاربة الاحترام والتفهّم، ممتنعين عن الأحكام المُسبَقة ومقدّمين الدعم لمن يدين العنف السابق للوصول إلى سياق أكثر إيجابية.

بصفتك أسقفًا كاثوليكيًّا، كيف تتوقع أن يتطور الوضع في الأراضي المقدسة؟

ما زالت المرحلة مبكرة لفهم الوضع بشكل كامل؛ نحتاج إلى مزيد من الوقت. الآن، إنها فترة من الألم والحزن والغضب. يجب أن ننتظر حتى تهدأ هذه العواطف قبل أن نبدأ بالتفكير في الوضع. ومع ذلك، ينبغي أن نتعامل مع هذه الأفكار بالتركيز على الحقائق والوقائع. في الواقع، سيظل كلٌّ من الإسرائيليين والفلسطينيين هنا؛ ولن يختفي أي منهما. لذا، علينا أن نجد طريقة للتفاعل مع بعضنا بعضًا بشكل مختلف، بعيدًا عن الوضع الحالي.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته