راهبات مصابات بمتلازمة داون... كيف انطلقت دعوتهن إلى الحياة المكرّسة؟

الأخوات الصغيرات تلميذات الحمل الأخوات الصغيرات تلميذات الحمل | Provided by: The Little Sisters Disciples of the Lamb/CNA

بين تلال منطقة أندر في جنوب فرنسا، تعيش جماعة من الراهبات المصابات بمتلازمة داون دعوتهنّ للصلاة التأمّليّة بأمانة.

«إنّها الجماعة الدينيّة الوحيدة في العالم التي تستقبل المصابات بمتلازمة داون»، هكذا سمّتها رئيسة الدير الأمّ لاين في حديثها لوكالة الأنباء الكاثوليكيّة.

والآن، تبحث هذه الجماعة الدينيّة عن أخوات قويّات البنية من أميركا للانضمام إليها.

تأسّست «الأخوات الصغيرات تلميذات الحمل» عبر دمج دعوتَيْن، على حدّ قول الأمّ لاين.

في العام 1985، التقت شابّة مصابة بمتلازمة داون، هي الأخت فيرونيكا، بالأمّ لاين. وكانت فيرونيكا قد اختبرت بالفعل دعوتها لتصبح راهبة لكن جماعات دينيّة عدّة رفضتها.

اعترفت الأمّ لاين بدعوة الأخت فيرونيكا لتصبح راهبة، وعاشتا معًا على أمل أن تنضمّ إليهما شابّاتٌ أخريات مصابات بمتلازمة داون شعرن بالدعوة لعيش الحياة المكرّسة.

وقالت الأمّ لاين إن الكنيسة والجماعات الدينيّة لم تفهم في ذلك الوقت كيف يمكن لشخص مصاب بمتلازمة داون أن يدعوه الله لعيش الحياة المكرّسة.

لكن الأمّ لاين التي درست علم النفس وعلّمت التعليم المسيحي سنوات عدّة، رأت أن الأشخاص الذين عملت معهم ويعانون متلازمة داون كان لديهم «مَيل قويّ إلى الحياة الروحيّة».

وبمرور الوقت، انضمّت فتيات أخريات مصابات بمتلازمة داون إلى الجماعة، ورأت الكنيسة الحاجة إلى وجودهنّ.

في العام 1999، أسّس بيار بلاتو، رئيس أساقفة منطقة بورج، معهد «الأخوات الصغيرات» الديني للحياة التأمّليّة.

بحلول العام 1995، انتقلت الجماعة إلى لو بلان في منطقة أندر الفرنسيّة حيث تُقيم الراهبتان الآن.

اليوم، تعيش سبع راهبات مصابات بمتلازمة داون دعواتهنّ جنبًا إلى جنب مع الأمّ لاين والأخت فلورانس.

الأمّ لاين، والأخت أغنيس، والأخوات الصغيرات. Provided by: The Little Sisters Disciples of the Lamb/CNA
الأمّ لاين، والأخت أغنيس، والأخوات الصغيرات. Provided by: The Little Sisters Disciples of the Lamb/CNA

حياة مفعمة بالصلاة والعمل

تعيش الأخوات الصغيرات في دير جميل بعيد في الريف الفرنسي.

تقع الكنيسة الصغيرة الخاصة بهنّ والتي بُنِيَتْ في العام 2010 داخل حديقة، وتحيط بها غابات، وهي مصمّمة خصوصًا للحياة والتأمّل.

شرحت الأمّ لاين أن من يعانون متلازمة داون «يميلون بشكل خاصّ إلى الحياة التأمّليّة»، موضحة أن الأخوات قد تبنّينَ قول القديسة تريزا دي كالكوتا (الأمّ تريزا): «افعلوا الأشياء الصغيرة بحبّ كبير».

المزيد

«نحن نتبع مسار تريزا. لن نكون أبدًا عالمات لاهوت عظيمات. حياتنا بسيطة جدًّا وتشبه بلا شكّ الحياة السرّية ليسوع ومريم ويوسف»... هذه العبارات مكتوبة على الموقع الإلكتروني الخاصّ بالجماعة.

تجتمع الأخوات الصغيرات كل يوم للصلاة، ويستوحين من طريقة الحياة البنديكتيّة التي توازن بين الصلاة والعمل.  

في هذا السياق، قالت الأمّ لاين: «من المهمّ جدًّا أن تبقى الأخوات الصغيرات مشغولات».

وهكذا، تقضي الأخوات معظم وقتهنّ في زراعة حدائقهنّ، وحصاد الخضروات، ونسج الأوشحة والحقائب، وحتى صنع الشاي من الأعشاب الطبّية التي يبِعْنَها في متاجر خاصّة.

وأشارت الأمّ لاين إلى أن الأهم من ذلك كلّه هو أن يدرك الآخرون أن هؤلاء الفتيات لديهنّ دعوة حقيقيّة.

وقالت: «لسنا مؤسّسة لذوي الاحتياجات الخاصّة، نحن جماعة دينيّة».

وأضافت: «ليس الأهل هم من قرّروا أن بناتهم سيَعِشْنَ مع الجماعة لمجرّد أنّه مكان جيّد للعيش بل إن الأخوات هنّ من اتّخذنَ القرار».

(تستمر القصة أدناه)

الأخت كميل Camille تعمل على آلة النسيج. Provided by: The Little Sisters Disciples of the Lamb/CNA
الأخت كميل Camille تعمل على آلة النسيج. Provided by: The Little Sisters Disciples of the Lamb/CNA

أخوات «قادرات»

وتابعت الأمّ لاين حديثها قائلة إن الأخوات الصغيرات قادرات على عيش دعواتهنّ الروحيّة لأنهنّ يحظين بدعم «الأخوات القويّات جسديًّا» مثلها ومثل الأخت فلورانس التي كرّست حياتها لهذه المهمّة.

وأشارت إلى أن الجماعة تصلّي خصوصًا كي تنضمّ إليهنّ أخوات من أميركا يكنّ قويّات البنية.

وأردفت الأمّ الرئيسة: «في أوروبا، من الصعب جدًّا البحث عن شابّات يرغبن في الانضمام إلى الجماعة ومشاركة حياتهن مع أشخاص يعانون متلازمة داون».

ولفتت إلى أن الأميركيّين لديهم نظرة مختلفة حيال من يعانون متلازمة داون، مقارنة بالنظرة الأوروبيّة.

وقالت الأخوات إنهن يأملن في أن تساعد هذه المقالة المنشورة في وكالة الأنباء الكاثوليكيّة «ربما في إيجاد شابّات يرغبن في المجيء إلى فرنسا» للانضمام إلى جماعتهنّ.

وذكرت الأمّ الرئيسة أن الجماعة مستعدّة للترحيب بشابّات للحضور والعيش معهنّ لفترة حتى يتمكّنّ من نقل ما تعلّمنه مع الأخوات الصغيرات إلى الولايات المتحدة.

وشدّدت على أن الدعوة للعيش مع أخوات مصابات بمتلازمة داون هي «التزام مدى الحياة».

وقالت: «يجب أن يكون المرء جديرًا بالثقة ومخلصًا»، مضيفةً أن نمط الحياة قد يكون متطلّبًا في بعض الأحيان ويستلزم الكثير من الصبر.

في المقابل، أكدت الأمّ لاين أن فرحة الحياة مع الأخوات الصغيرات تفوق أيّ تحدّيات، قائلةً: «نتعلّم منهنّ، ولا سيّما روحيًّا... نتعلّم الكثير عن الغفران. هنّ يسامحن، وهذا أمر صعب. إنهنّ يعلّمننا كيف نسير على طريق الله».

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته