البابا فرنسيس يعتبر أنّ لا شيء أكثر ضررًا للمسيحي من الانبهار أمام صنم الغنى

البابا يحيّي أحد الفقراء في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 في ساحة القدّيس بطرس في الفاتيكان البابا يحيّي أحد الفقراء في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 في ساحة القدّيس بطرس في الفاتيكان | Provided by: L'Osservatore Romano

صدرت اليوم عن حاضرة الفاتيكان، رسالة البابا فرنسيس في مناسبة اليوم العالمي السّادس للفقراء الذي يصادف في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

تبدأ رسالة البابا فرنسيس بالآية الثامنة من الفصل التاسع من رسالة القدّيس بولس الثانية إلى أهل قورنتوس: «يسوع المسيح […] افتَقَرَ لأَجْلِكُم»، التي هي أيضًا عنوان الرسالة. وقال الأب الأقدس أنّ القدّيس بولس وضع هذه الكلمات كأساس للالتزام بالتضامن مع الإخوة المحتاجين. واليوم، يعود اليوم العالمي للفقراء كأنّه يستفزّنا للتفكير في نمط حياتنا.

وسرد البابا كيف أنّ العالم كان قد بدأ الخروج من أزمة جائحة كورونا وبدأ بالتعافي الاقتصادي، لكن جاءت الحرب الأوكرانيّة-الروسيّة لتحصد الموت والدمار وتعيد إلى الواجهة مشاهد الذكريات المأساوية. وهذه الحرب، بحسب رسالة البابا، «أكثر تعقيدًا بسبب التدّخل المباشر لـ"قوة عظمى" تنوي فرض إرادتها ضد مبدأ حق تقرير مصير الشعوب».

 اعتبر الحبر الأعظم أنّ الحرب حماقة تخلّف الكثير من الفقراء وتؤثّر على الأشخاص العزّل والضعفاء. فالحرب تضطرّ ملايين النساء والأطفال وكبار السنّ إلى تحدّي خطر القنابل لإنقاذ أنفسهم، بينما يبقى العديد من الذين يبحثون عن طعام ومشرب ورعاية صحيّة.

في هذا السياق، وصل البابا إلى إلقاء نظرة على آية القدّيس بولس عن يسوع الذي: «افتَقَرَ لأَجْلِكُم وهو الغَنِيُّ لِتَغتَنوا بِفَقْرِه» (رسالة قورنتوس الثانية 8: 9). فعندما زار القدّيس بولس أورشليم، طلب منه بطرس ويعقوب ويوحنّا ألّا ينسى الفقراء. اذ كانت جماعة أورشليم في صعوبة شديدة بسبب المجاعة التي عصفت بالبلاد. من هنا تجاوب أهل قورنتوس مع مطلب بولس بالمساعدة وبدأوا يجمعون التبرّعات مرّة أسبوعيًّا. وهذا ما تزال تقوم به الكنيسة اليوم في قدّاس الأحد، إذ تشارك تقدمتها لمساعدة الأشدّ فقرًا.

والقدّيس بولس يعيد في رسالته الاهتمام بجمع التبرّعات بعد أن كان خفّ اندفاع أهل قورنتوس فيقول: «ِيَكونَ الإِتْمامُ على قَدْرِ طاقَتِكم ووَفقًا لِشِدَّةِ الرَّغبَة» (رسالة قورنتوس الثانية 8: 11). من هنا أعاد البابا تسليط الضوء على الشعوب والعائلات التي استقبلت ملايين اللاجئين في الشرق الأوسط ووسط أفريقيا وأوكرانيا. وشجّع تلك الدول والعائلات على تجديد حماسها وعدم الاستسلام. كما دعا البلدان التي شهدت نموًا وازدهارًا إلى تقاسم تراث الأمن والاستقرار التي وصلت إليه مع الذين أجبروا على ترك بيوتهم وبلدانهم هربًا من الموت. فالحياة المسيحيّة تفترض أن نجد دائمًا أساس حياتنا وعملنا في المحبّة والإيمان والرجاء، كما ذكر البابا في الرسالة.

وأوضح البابا فرنسيس أنّ القدّيس بولس يؤكّد أنّه لا يفرض ذلك على الآخرين، بل يكتب: «لا أَقولُ ذلِك على سَبيلِ الأَمْر» (رسالة قورنتوس الثانية 8: 9). بل نوى القدّيس بولس أن يختبر صدق محبّتهم واهتمامهم بالفقراء. فجمع التبرّعات علامة على المحبّة كما شهد عليها يسوع نفسه. ففي التجرّد نعمة من عند يسوع المسيح.

وأكّد البابا أنّه: «لا كلام ولا بلاغة أمام الفقراء، بل علينا أن نشمّر عن سواعدنا ونعيش الإيمان من خلال التدّخل المباشر» ودعا إلى التنبّه من الاسترخاء المؤدّي إلى اللامبالاة تجاه الفقراء. فالمشكلة، بحسب توضيح البابا، ليست في المال، فالمال جزء من الحياة اليوميّة. بل المشكلة في القيمة التي نجعلها للمال، اذ يمنعنا من رؤية حاجة الآخرين. واعتبر الأب الأقدس أنّ لا شيء أكثر ضررًا للمسيحي وللجماعة من الانبهار أمام صنم الغنى، «الذي ينتهي به الأمر إلى أن يقيِّد الإنسان ويثبِّتها في رؤية حياة زائلة وفاشلة». وأعاد البابا كلمات القدّيس بولس: «لَيسَ المُرادُ أَن يَكونَ الآخَرونَ في يُسْرٍ وتَكونوا أَنتُم في عُسْر، بَلِ المُرادُ هو المُساواة» (رسالة قورنتوس الثانية 8: 13). فالغنى الحقيقي هو في المحبّة حيث لا يبقى أحد متروكًا أم مبعدًا.

اعتبر البابا أيضًا أنّ ثقافة الإقصاء تفرض اليوم اليأس ويتنج عنها الظلم والشقاء. فعندما تصير المكاسب هي القانون الوحيد، لا تعد هناك حدود أمام استغلال الآخرين. كما أضاف أنّ لقاء الفقراء يقصي عنّا قلق ومخاوف لا سبب لها، فنصل إلى ما يهمّ حقًّا وهي: المحبّة الحقيقيّة والمجّانيّة. وأوضح أن طريق انتصار الحياة على الموت وتحرّر الكرامة من الظلم هي في اتّباع يسوع المسيح.

المزيد

وفي نهاية الرسالة تكلّم الأب الأقدس عن القدّيس شارل دي فوكو الذي وُلِدَ غنيًّا وتجرّد عن جميع الأشياء من أجل المسيح. ورأى أنّ حياة شارل دو فوكو شهادة نموذجيّة على الفقر المسيحي.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته