جدليّة الحياة والموت بين العبث والإيمان

القبر الفارغ-صورة القبر الفارغ | provided by: pixibay

منذ بدء مسيرة الإنسان على هذه الأرض، وهو يصارع ويحاول أن يفهم سرّ وجوده والعبرة من الحياة والموت. كما يحمله هذا الأمر إلى طرح مجموعة من التساؤلات الوجدانيّة حول مصير المرء ما بعد الموت. وهو يراه يسرق نعمة الحياة منه، ويرمي بها في ظلمة المجهول.

كما أنّ الآراء في هذا الجانب تتفاوت بين الأدباء والمفكرين بين الإيجابي والسلبي. هناك من يتعاطى مع هذه الإشكاليّة بنظرة إيمانيّة توجز في فحواها أنّ الحياة هي مدخل للعبور نحو الموت الّذي هو بداية لحياة جديدة. وفي المقابل، هناك من ينظر إلى هذه القضيّة بأسلوب عبثي، يحاول أن يجد أجوبة لهذه المعضلة، ولكن من دون جدوى.

ومن الشّعراء الذين كانوا يتخبّطون وسط الكثير من تساؤلاتهم الوجوديّة، يشدّنا الشّاعر اللبناني "إيليا أبو ماضي" في بحثه المرهق هذا، وكيف كان عندما يصطدم في جدار المحال وعدم بلوغه غايته المنشودة، كان يقول: "لا أدري"... وهذه العبارة راحت تتردّد أكثر فأكثر على لسان "أبو ماضي"، في قصيدته "الطّلاسم". فهو لا يجد ما يبحث عنه، ولا يفهم سرّ وجوده:

"أجديـد أم قديـم أنـا فـي هـذا الـوجـود

 هل أنـا حـرّ طليـق أم أسيـر فـي قيـود

هل أنا قائد نفسـي فـي حياتـي أم مقـود

أتـمـنّـى أنـنــي أدري ولــكــن…

لست أدري".

المزيد

ويصل به الأمر في بحثه إلى أن يطرق باب الدير ويسأل النسّاك عن سرّ الحياة. فيكتشف أنّهم هم أيضًا لا يدركون.

"قيل لي في الدّير قوم أدركوا سرّ الحياة

غير أنّي لم أجد غير عقول آسنات

وقلوب بليت فيها المنى فهي رفات

(تستمر القصة أدناه)

ما أنا أعمى فهل غيري أعمى؟…

لست أدري".

ولكن مقابل هذا التّفتيش العبثي عن سرّ الحياة الّذي جاء نتيجة لظروف عدّة عايشها "أبو ماضي"، فهناك من استطاعوا أن يلامسوا كنه الوجود وما بعده، من دون قلق أو خوف من المرتقب. وفي رؤية تفاؤليّة في هذا الصّدد، يجذبنا المؤلف الموسيقي "رالف فوغان وليامز" لمّا سئل قبل أسبوعين من وفاته، عن معنى الحياة الآتية بالنّسبة إليه، فأجاب: "موسيقى، موسيقى. لكن في العالم الآتي لن أكون موسيقيًّا، مع كلّ الصّعوبات والخيبات الّتي يستتبعها ذلك لأنّني سأكون أنا نفسي موسيقى". كما يقول الشّاعر "توماس إليوت": "أنتم الموسيقى ما استمرّت الموسيقى". وموسيقى السّموات أبديّة.

من الواضح أنّ الوجود، وما يحتدم فيه من صراع حول إشكاليّة الحياة والموت، أمر واقعي، وستستمرّ شرارته تندلع طالما العقل يفكّر ويريد معرفة الحقيقة. وبين الشّكّ واليقين، وما بين العبث والوجود، تبقى التّجربة الخاصّة المتعلّقة بكلّ إنسان وشاعر وفيلسوف، هي السبيل للوصول إلى المعرفة الحقّ. لكن هذه التّجربة الخاصّة، في بحر تساؤلاتها المضنية، لن تصل إلى ما تصبو إليه، وهو ارتقاء سلّم يقين المعرفة، إن لم تعبر إلى لقاء المسيح، والتّأمّل في سرّ تجسّده وصلبه وموته وقيامته، وذلك لأنّه بالمسيح وحده يموت الشّكّ وينتصر الإيمان. فنشهد عندها أنّنا "ندري" أنّ حياتنا هي المسيح، وبموتنا تكون لنا الحياة الأبديّة.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته