قراءة في مقترحات تقرير سينودس الفاتيكان عن الكنائس الشرقيّة

بطاركة الشرق الكاثوليك يحتفلون بالذبيحة الإلهيّة لانطلاق الأسبوع الثاني للدورة الأولى من السينودس عن السينودسيّة، صباح 9 أكتوبر/تشرين الأول، في بازيليك القدّيس بطرس-الفاتيكان بطاركة الشرق الكاثوليك يحتفلون بالذبيحة الإلهيّة لانطلاق الأسبوع الثاني للدورة الأولى من السينودس عن السينودسيّة، صباح 9 أكتوبر/تشرين الأول، في بازيليك القدّيس بطرس-الفاتيكان | مصدر الصورة: فاتيكان ميديا

انتهت أعمال الدورة الأولى من الجمعية العامة الـ16 لسينودس الأساقفة بعنوان: «من أجل كنيسة سينودسيّة: شركة ومشاركة ورسالة»، الذي عُقد في الفاتيكان من 4 إلى 29 أكتوبر/تشرين الأول الحالي. وقد صدر عن الدورة تقرير تلخيصي، يتوقّف الجزء الأول منه عند «وجه الكنيسة السينودسية» وفيه قسم مخصّص للتقاليد الشرقية والغربية في هذا المجال.

يشرح هذا القسم أنّ الكنائس الشرقية الكاثوليكية تتميّز بخصوصية لاهوتية وليتورجية وقانونية. ويعتبر أنّه يمكن لـ«وحدة هذه الكنائس في تنوّعها» أن تقدّم مساهمة ثمينة لفهم السينودسية وتطبيقها بشكل أفضل. 

وأشار هذا القسم إلى أنّ هجرة مؤمنين من هذه الكنائس إلى أراضٍ فيها أكثرية عددية لمؤمني الكنيسة اللاتينية يفترض تعاونًا من الأخيرة، باسم السينودسية، لمساعدة هؤلاء المؤمنين. ورأى التقرير أنّه يجب التعمّق أكثر بعد في دراسة ما يمكن أن تقدّمه الكنائس الشرقية الكاثوليكية في ما خصّ ممارسة السينودسية. كما يتعيّن التفكير في الدور الذي يمكن  أن تؤديه هذه الكنائس في مسيرة الحوار بين الأديان وبين الثقافات. 

يعرض التقرير  في هذا القسم أيضًا خمسة مقترحات. ومن غير الممكن تحديد الأشخاص الذين تقدّموا بهذه المقترحات في مداخلاتهم بالسينودس، كون جميع المشاركين ملزمين بالحفاظ على سرّية النقاشات. ومع ذلك، نقدّم قراءة في بعض الخلفيّات والهواجس التي لطالما رافقت الشرقيّين وقد تكون الدافع وراء هذه المقترحات. 

مجلس بطاركة ورؤساء أساقفة

المقترح الأول يطلب إنشاء مجلس بطاركة ورؤساء أساقفة من الكنائس الكاثوليكية الشرقية يعضد الأب الأقدس. هذا المقترح ليس جديدًا. ففي خلال المجمع الفاتيكاني الثاني، الذي التأم بين عامي 1962 و1965، طالب بطريرك الروم الكاثوليك في حينها مكسيموس الرابع صايغ بمجلس مماثل. فقد اعتبر صايغ يومها أنّه يستحيل على جميع أساقفة العالم أن يجتمعوا بشكل مستمرّ مع الحبر الأعظم ليشكّلوا معه مجمع الأساقفة. لذلك لا بدّ من أن يتمثّلوا بمجلس ينوب عنهم، فيضمّ البطاركة ورؤساء الأساقفة الرئيسيّين.

وفي حين أوضح المجمع الفاتيكاني الثاني في دستوره العقائدي عن الكنيسة، «نور الأمم»، دور الحبر الروماني مع جميع أساقفة العالم، لم يُفضِ إلى إنشاء هذا المجلس.

سينودس خاص بالكنائس الشرقيّة الكاثوليكيّة

في المقترح الثاني طلب بعضهم سينودسًا خاصًّا بالكنائس الشرقية الكاثوليكية وهويّتها ورسالتها وتحدياتها الراعوية والقانونية، في سياق الحروب والهجرة الجماعية التي تلم بها. 

فقد عانت الكنائس الشرقية الكاثوليكية، كما باقي المسيحيين، وبالأخص تلك الواقعة بطريركيّاتها في الشرق الأوسط، تبعات عقود طويلة من الحروب. ما أدّى إلى هجرة متواصلة وكبيرة لأبنائها. لذلك قد يرى بعضهم حاجة إلى سينودس يفكّر بهذا الموضوع. وتعاني أوكرانيا اليوم أيضًا حربًا مدمّرة وهجرة كبيرة. وتطال الحرب الأوكرانيّة مؤمني كنيسة الروم الكاثوليك الوطنية فيها، كما باقي سكّان البلاد. 

وتجدر الإشارة في هذا الخصوص إلى أنّ البابا بنديكتوس السادس عشر خصّص للمسيحيّين في الشرق الأوسط سينودسًا في العام 2010 بعنوان: «الكنيسة الكاثوليكيّة في الشرق الأوسط: شركة و شهادة. "وكان لجمهور الذين آمنوا قلبٌ واحدٌ ونفسٌ واحدة" (أعمال 4: 32)». وأصدر بعدها الحبر الأعظم عينه إرشادًا رسوليًّا ما بعدَ السّينودس بعنوان: «الكنيسةُ في الشَّرقِ الأوسط» وقّعه في لبنان عام 2012.

لجنة مشتركة

يذكر التقرير التلخيصي لسينودس العام الحالي أيضًا مقترحًا ثالثًا، وهو إنشاء لجنة مشتركة من لاهوتيين ومؤرخين وقانونيين شرقيين وغربيين للتعمّق في الشؤون التي تتطلب مزيدًا من الدراسة وتقديم مقترحات للمضي قدمًا. لكنّ التقرير لم يحدّد ماهيّة هذه الشؤون، وقد تكون السينودسية أحدها. 

تحظى الكنائس الشرقية بتاريخ وتقليد وليتورجيا مختلفة عن تلك الغربية. كما لها قانون كنسيّ خاصّ بها وخبرة طويلة جدًّا في مسألة السينودسية. لكن لتطبيق هذا المقترح السينودسي، يجب الإجابة عن المسائل المحدّدة التي يتعين أن تتعمّق اللجنة فيها. فهل ستكون اللجنة مثلًا مسانِدَة لدائرة الكنائس الشرقية ودائرة تعزيز وحدة المسيحيّين الفاتيكانيَّتَيْن على سبيل المثال؟ أم رديفة لهما وفي عمل مختلف عنهما؟ 

تمثيل أكبر للكنائس الشرقيّة

في المقترح الرابع المرتبط بالكنائس الشرقية، يطلب التقرير تمثيلًا ملائمًا لأعضاء من الكنائس الشرقية الكاثوليكية في دوائر الكوريا الرومانية، أي الإدارة المركزية للفاتيكان. وذلك بهدف إغناء الكنيسة بوجهات نظرهم المتنوعة وتعزيز الحلول المقترحة للمشكلات المذكورة والمشاركة في الحوار على جميع الأصعدة، على ما جاء في التقرير.

وهذا المقترح أيضًا ليس جديدًا. ففي خلال المجمع الفاتيكاني الثاني، طالب آباء كثيرون في المجمع، ومنهم المشرقيّون، بتعيينٍ أكبر لأشخاص من مختلف الجنسيّات في الكوريا الرومانية، إذ كان يومها عدد كبير من موظفّيها يحمل الجنسيّة الإيطاليّة. وبالفعل، سارت الكنيسة في العقود الأخيرة بهذا الاتجاه. لكن يرى بعضهم أنّ ليس هناك عدد كافٍ من الشرقيّين الكاثوليك في الدوائر. 

المزيد

ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ بعض الكنائس الشرقية الكاثوليكية عدد إكليروسها ومكرّسيها محدود جدًّا. لذلك قد تكون صعبة الاستجابة لهذا المطلب بشكل متكافئ بين هذه الكنائس إذا أريد تحقيق ذلك عبر الإكليروس والمكرّسين. وإلّا يجب أن يلجأ الحبر الأعظم إلى تعيين علمانيّين من هذه الكنائس، في حال كان منفتحًا على المقترح. 

تعاون بين إكليروسَي الشرق والغرب

يعتبر المقترح الخامس المرتبط بهذا القسم أنّ بهدف تعزيز أشكال الضيافة التي تحترم المؤمنين التابعين للكنائس الشرقية، من الملائم تكثيف العلاقات بين الإكليروسَيْن الشرقي واللاتيني في بلاد الانتشار وتعزيز المعرفة المتبادلة والتعرّف إلى التقاليد الخاصة بهما. 

يلائم هذا المقترح السياق الحالي للكنائس الشرقية. فبسبب ما تعانيه الكنائس الكاثوليكية في الشرق الأوسط وأوكرانيا، كما باقي المسيحيّين في هاتين المنطقتين، من هجرة ولجوء جماعيّ كبير، يخشى بعض الشرقيّين الكاثوليك أن تذوب الهويّة الكنسيّة للمغتربين منهم في بحر العالم اللاتيني. 

فأعداد المؤمنين في الكنائس الشرقية الكاثوليكية أصغر بكثير من الكنيسة اللاتينية. لذا، من المناسب أن يعي الإكليروس اللاتيني ذلك. ومن الجيد بالنسبة إلى الشرقيين أن يوسّع الإكليروس اللاتيني معرفته بتراث الشرق بغية مساعدة الشرقيين في الحفاظ على هويّتهم. 

القبول مُرجأ إلى ما بعد الدورة الثانية

تجدر الإشارة في الختام، إلى أنّ جميع هذه المقترحات يُرجأ إقرارها إلى الدورة الثانية من السينودس المُزمع عقدها في أكتوبر/تشرين الأوّل 2024. فحينها سيقرّر المجتمعون إن كانوا سيقدّمونها للبابا في الوثيقة الختامية للمسيرة السينودسية أم لا. وفي حال تقديمها يبقى قرار قبولها من عدمه وتطبيقها في يد الحبر الأعظم.  

(تستمر القصة أدناه)

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته