«دوبيا»… تبادُل رسائل بين البابا فرنسيس وخمسة كرادلة

كرادلة في خلال كونسيستوار ببازيليك القديس بطرس-الفاتيكان في أكتوبر/تشرين الأول 2019 كرادلة في خلال كونسيستوار ببازيليك القديس بطرس-الفاتيكان في أكتوبر/تشرين الأول 2019 | مصدر الصورة: Daniel Ibáñez/CNA

كشف خمسة كرادلة اليوم أنّهم أرسلوا مجموعة من الأسئلة إلى البابا فرنسيس أعربوا فيها عن مخاوفهم، مطالبين بتوضيح نقاط تتعلق بتعاليم الكنيسة ونظامها قبل افتتاح السينودس المقبل في الفاتيكان «من أجل كنيسة سينودسيّة: شركة ومشاركة ورسالة».

قال الكرادلة إنهم قدموا خمسة أسئلة في «دوبيا»، أي لائحة شكوك، أولًا في 10 يوليو/تموز 2023 فأجاب البابا في اليوم التالي. وبعدها في 21 أغسطس/آب أعادوا إرسال أسئلتهم لطلب توضيحٍ حول مواضيع تتعلق بتطوير تعليم الكنيسة وهي: تكيّف الوحي الإلهي مع السياق التاريخي، ومباركة الارتباط المثلي، وسلطة السينودس المقبل، ورسامة المرأة للدرجات الكهنوتية، وسلطان غفران الخطايا.  

ماذا تعني كلمة «دوبيا»؟ 

«دوبيا» هي رسالة توجَّه فيها أسئلة استيضاح رسمية تُقدّم أمام البابا أو إحدى الدوائر الفاتيكانية. وكلمة «دوبيا» لاتينية وتعني «شكوك». عادةً، يُوجّه الكرادلة أو أعضاء رتبتهم عالية في الكنيسة أو أحد أعضاء الدوائر الفاتيكانية أو حتّى مؤمن أو مجموعة مؤمنين هذا النوع من الرسائل فيجيب البابا أو يطلب من إحدى الدوائر الفاتيكانية أن تجيب. وتهدف هذه الرسائل إلى البحث عن توضيح في ما يتعلق بتعاليم الكنيسة أو نظامها أو ليتورجيتها أو قانونها.

من وقّع على هذه الـ«دوبيا»؟

وقّع على لائحة الشكوك المُرسلة إلى البابا كلٌّ من: رئيس اللجنة البابوية للعلوم التاريخية الكاردينال الألماني فالتر براندمولر، البالغ من العمر 94 عامًا؛ والرئيس السابق لمحكمة التوقيع الرسولي، الكاردينال الأميركي ريموند بورك، البالغ من العمر 75 عامًا؛ وأسقف هونغ كونغ السابق، الكاردينال الصيني جوزيف زِن زي-كيون، البالغ من العمر 90 عامًا؛ ورئيس أساقفة غوادالاخارا السابق، الكاردينال المكسيكي خوان ساندوفال إينيغيز، البالغ من العمر 90 عامًا؛ والرئيس السابق لمجمع العبادة الإلهية وتنظيم الأسرار، الكاردينال الغيني روبرت سارا، البالغ من العمر 78 عامًا.

محتوى الشكوك وردّ البابا

أرسل هؤلاء الكرادلة لائحة شكوك في 10 يوليو/تموز وردّ عليها البابا فرنسيس باللغة الإسبانية كما يظهر في الوثيقة المنشورة على موقع دائرة عقيدة الإيمان. في ردّه، أوضح الأب الأقدس أنّه لا يعدّ الإجابة عن جميع الأسئلة المُرسلة إليه أمرًا حذرًا، لكنّه قرّر كتابة رسالته للكرادلة بسبب قرب موعد السينودس عن السينودسية. 

في «الشك» الأول سأل الكرادلة الخمسة عمّا إذا يجب أن تكيّف الكنيسة «الوحي الإلهي» بحسب المقتضيات الثقافية والأنثروبولوجية الحاضرة وتعيد تفسيرها. ويستندون في سؤالهم هذا إلى تصريحات لأساقفة لم تُصَحًّح أبدًا ولم تُسحَب بعد الإدلاء بها. وفي إجابة طويلة، فسّر البابا فرنسيس أنّ الموضوع يعتمد على ما تعني كلمة «إعادة تفسير»، فإن كانت للأفضل فهذا يعني أنّها نافذة. وأشار إلى أنّ الوحي الإلهي لا يتغيّر، لكنّ غناه لا ينفد لذا ينمو الإنسان في فهمه. 

وفي «الشك» الثاني يتوقّف الكرادلة عند مباركة ارتباط المثليين ببعضهم بعضًا، وما إذا كانت الكنيسة تقبل بها «خيرًا محتملًا» مع أنّها موضوعيًّا غير صحيحة. فأجاب البابا أنّ الكنيسة تعتبر «زواجًا» فقط اتحاد الرجل والمرأة بشكل حصري لا يُحلّ وبشكل منفتح على إنجاب البنين. وأكّد أنّ الكنيسة تتفادى أي رتبة تناقِض هذا المبدأ. 

لكن في الوقت عينه شرح فرنسيس أنّ الدفاع عن الحقيقة الموضوعية ليس الانعكاس الوحيد للمحبة. فمرافقة الأشخاص تتطلب اللطف والصبر والتفهّم وغيرها. ويجب على المرافقة الرعائيّة أن تميّز إذا كانت بعض أشكال البركات المطلوبة من شخص أو أكثر تعكس نظرة غير صحيحة عن الزواج. فأي بركة هي طلب معونة من عند الربّ، وما يقرره الحذر الرعائي لا ينبغي أن يصبح بالضرورة قاعدة، على حد تعبيره. 

أمّا «الشك» الثالث فيتمحور حول البُعد المؤسِّس للكنيسة. فسأل الكرادلة إن كانت السينودسية التي فيها يتمثّل جزء من الكنيسة، ستمارس صلاحيات السلطة الكنسية العليا المحصورة بالبابا ومجمع الأساقفة مجتمعًا. ففسّر فرنسيس أنّ الكنيسة «شركة إرسالية» فيها تصبح السينودسية ضرورية لحياتها. وأشار إلى وجوب عدم تكريس وجهة منهجيّة معينة في عمل السينودس تعجب فريقًا معينًا وتصير قاعدة في السينودسات. 

وفي «الشك» الرابع تطرّق الكرادلة لرسامة النساء الكهنوتية سائلين الأب الأقدس إن كان تعليم المجمع الفاتيكاني الثاني عن الفرق بين الكهنوت العام والكهنوت الخاص لا يزال قائمًا. وزادوا في سؤالهم إن كان تعليم البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته «الرسامة الكهنوتية»، عن نهائية عدم إعطاء النساء السيامة الكهنوتية، لا يزال ساري المفعول. فذكّر فرنسيس بأنّ يوحنا بولس الثاني لم يقلّل من شأن النساء بل شدّد على الفرق في المهام المنوطة بهنّ من دون أن يَنقُصَهنّ شيئٌ في الكرامة والقداسة. فبحسب فرنسيس لا يمكن معارضة التعليم علنيًّا لكن يمكن أن يشكل محطّ دراسة، مثل صحّة الرسامات الكهنوتية لدى الأنجليكان. 

وتناول «شك» الكرادلة الخامس الغفران. فبعد تشديد البابا الحالي في كلمات عدّة على ضرورة المغفرة للجميع ودائمًا، سأل الكرادلة إن كان ذلك يعني أنّ التوبة لم تَعُد شرطًا لغفران الخطايا في سرّ الاعتراف؟ فأجاب فرنسيس أنّ التوبة ضرورة للحصول على الحلّة الأسرارية. وذكّر بأنّ كرسي الاعتراف ليس مكتبًا جمركيًّا. وشرح أنّ هناك وسائل عدّة للتعبير عن التوبة. ففي حالة الأشخاص المجروح تقديرهم لذاتهم، إعلان ذنبهم يشكّل تعذيبًا كبيرًا لهم.

رسالة بأسئلة مباشرة  

بعد ردّ البابا، أعاد الكرادلة بعث رسالة ثانية في 21 أغسطس/آب 2023 شاكرين فرنسيس على إجابته. لكنهم اعتبروا أنّه لم يُجب عن شكوكهم بل عمّقها. لذا أعادوا صياغة هذه الشكوك بأسئلة للإجابة عنها بـ«نعم» أو «لا».

فسألوا ما يمكن تلخيصه بالآتي: 

المزيد

  • أتستطيع الكنيسة أن تعلّم ما يتناقض مع تعليمها الإيماني والأخلاقي السابق؟ 

  • أيستطيع أحد الرعاة مباركة اتحاد بين مثليي الجنس فيجعلهم يعتقدون أنّ تصرّفهم ليس ضدّ شريعة الله ومسيرتهم نحو الله؟ ألا تزال العلاقة الجنسية خارج الزواج تُعدّ خطيئة بشكل موضوعي؟ 

  • أستكون للسينودس المقبل في الفاتيكان والذي يضمّ فقط قسمًا من الرعاة والمؤمنين في العالم، السلطة العليا في الكنيسة المنوطة حصريًّا بالحبر الروماني ومجمع الأساقفة مرؤوسًا من الحبر الروماني؟ 

  • أيمكن للكنيسة مستقبليًّا إعطاء الرسامة الكهنوتية للمرأة؟ 

  • أيستطيع أن ينال الحلّة الأسرارية عن خطيئته شخص تائب يرفض الالتزام بعدم الوقوع في هذه الخطيئة؟ 

إشعار للمؤمنين بالمسيح 

في «إشعار للمؤمنين بالمسيح» صدر اليوم، أوضح الكرادلة أنهم قرروا تقديم لائحة الشكوك للبابا في ضوء تصريحات عدّة أدلى بها كرادلة رتبتهم عالية مرتبطة بالسينودس المقبل وهو «على ما يبدو يعارض تعاليم الكنيسة ونظامها الثابتَين».

وأعلنوا أنّ بيانات هؤلاء الكرادلة «شكّلت وما زالت تشكّل مصدرًا للغموض الشديد والوقوع في الخطأ بين المؤمنين وأصحاب النوايا الحسنة. وقد أعربنا عن قلقنا العميق للحبر الروماني». وأضاف الكرادلة أنّ المبادرة اتُّخذت وفقًا للفقرة 3 من البند 212 من القانون الكنسي، الذي ينصّ على واجب جميع المؤمنين «إظهار رأيهم في المسائل التي تتعلق بصالح الكنيسة أمام الكهنة المقدسين». وأكدوا أنّهم لم يلقوا إجابة من البابا عن رسالتهم الثانية.

لوائح الشكوك في حبريّة البابا فرنسيس

بات تقديم لوائح شكوك أمرًا بارزًا في خلال حبريّة البابا فرنسيس. ففي العام 2016، تقدّم الكرادلة بورك وبراندمولر وكارلو كافارا وجواكيم مايسنر بمجموعة من خمسة شكوك إلى البابا فرنسيس. وكان الغرض من ذلك، البحث عن توضيح حول تفسير الإرشاد الرسولي «فرح الحبّ»، وبخاصّة بشأن قبول الكاثوليك المطلّقين والمتزوجين من جديد في ممارسة الأسرار.

وفي العام 2021، أصدر مجمع عقيدة الإيمان ردًّا على لائحة الشكوك وأجاب بكلمة «لا» عن مسألة ما إذا كانت الكنيسة تملك «السلطة لتقديم البركة لزواج المثليين». وفي العام نفسه، أصدر مجمع العبادة الإلهية ردًّا على لائحة شكوك إزاء أسئلة متعددة تتعلق بالإرادة الرسولية «حرّاس التقليد» للبابا فرنسيس والتي تقيِّد الاحتفال بالقداس اللاتيني التقليدي.

(تستمر القصة أدناه)

وفي يناير/كانون الأول من العام الحالي، أرسل الأب اليسوعي جيمس مارتن مباشرةً إلى البابا فرنسيس مجموعة من ثلاثة شكوك لالتماس توضيح بشأن تصريحات قدمها البابا في مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس بشأن مسألة المثلية الجنسية. وأجاب البابا عن هذه الأسئلة برسالة كتبها بخط اليد بعد يومين.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته