العودة إلى أحضان الآب

عودة الابن الضال عودة الابن الضال | Provided by: McGaw Graphics/Pinterest

في الأسبوع الرابع من الصوم في الطقس الماروني (الذي ينتصف الصوم معه)، نتأمّل في مثل الابن الشاطر.

يبيّن لنا هذا النصّ علاقة معقّدة بين أبٍ لا ترتبط أبوّته بالظروف أو المتغيّرات، وابنين أنكر كلّ منهما بنوّته على طريقته:

-فالأصغر تنازل عن بنوّته من أجل قليلٍ من اللّذة، وما عقابه إلا نتيجة حتميّة لسوء تدبيره وقلّة بصيرته.

-أما الأكبر، فأنكر بنوّته وأخوّته من فرط حرصه على ما يملك.

في حياتنا اليوميّة، تتجاذبنا مواقف شتّى تضعنا أحيانًا في موقع الابن الشاطر، وأحيانًا أخرى في موقع الابن الأكبر.

غالبًا ما نسأل الله، عندما نخطأ، أن يعاملنا بالرحمة كما عامل الوالد في نصّ الابن الأصغر. لكن، في المقابل، عندما يخطئ سوانا، نتصرّف غالبًا وفق منطق الابن الأكبر، أي بتكبّر وتعجرف ورفضٍ لتقبّل الآخر، كما سبق وتقبّلنا الآب برحمته ومحبّته وغفرانه!

إلى ذلك، قال أحد الآباء الأجلّاء يومًا إنّ الموت الروحي يبدأ في حياتنا حين نقطع علاقتنا مع الله (الابن الأصغر)، ونضع نفسنا مكانه في علاقتنا مع الآخرين (الابن الأكبر).

الأخوان يمثّلان الحدّين اللذين قد يبلغهما أيّ واحدٍ منّا في أثناء مسيرته الأرضيّة، إن ابتعد عن الله عمليًّا (كالابن الأصغر) أو قلبيًّا (كالابن الأكبر).

معنى هذا أنّ هويّتنا كأبناء لله لا تمنحنا الحقّ بأن نجعل أنفسنا آلهة على طريقتنا وعلى ذوقنا!

المطلوب أن نقتدي برحمة ومحبّة «الأب المحبّ»، البطل الحقيقي للقصّة، وأن نترك له القرار بمن يستوجب حكم عدله أو رحمته في الدهر الآتي!

أين نحن من محبّة هذا الآب التي تتجاوز كلّ الأخطاء بحقّها في سبيل اكتساب من تحبّ؟!

يعلّمنا هذا المثل كيفيّة المحبّة وأهمّية تجسيد الغفران بأفعالٍ جليّة لا بالأقوال وحسب، ويدعونا:

-كي نُبقي قلبنا منفتحًا على نور الآب المحبّ والغفور، فيغمرنا بذراعيه ويعيدنا إلى جوار قلبه!

-كي نستعيد إنسانيّتنا من مقالع قسوة القلوب إلى سماء الرحمة اللامتناهية حيث الرحمة مدخلٌ إلى التوبة وحيث الإنسان ينشغل أوّلًا بإصلاح ذاته، مفسحًا المجال لسواه أيضًا كي ينعم بمحبّة الله ونعمه وغفرانه!

كُتِبَ الكثير عن هذا النصّ وسيُكتب أكثر لأن رحمة الله اللامتناهية لن تُستنفد في مجرّد شرحٍ واحد أو تأمّل واحد أو لوحة واحدة.

رامبرانت، الرسّام الذائع الصيت، ترجم هذا النصّ بلوحةٍ شهيرة في العام 1667، مظهرًا فيها الابن العائد متّكئًا رأسه على بطن أبيه الذي له يدان مختلفتان تحضنان الابن التائب: يدٌ خشنة تدلّ على الأبوّة، ويدٌ ناعمة تدلّ على الأمومة!

هذا هو إلهنا الذي يلدنا كلّ يومٍ في أحشاء رحمته التي تجدّدنا وتعيد إلينا بهاء صورتنا الأولى وترفعنا إلى مستوى البنوّة، مهما أوغلنا في البعد عنه بحيث يخلّص من تاه أو شرد (الابن الأصغر) أو من تكبّر وتشامخ (الابن الأكبر) لأنّ محبّته أوسع وأشمل مهما تقسّمت.

المزيد

يدعونا نصّ اليوم إلى تقدير رحمة الله وعدم استغلالها من أجل الإمعان في التوغّل في موتنا الروحي، فرحمة الله حياةٌ والبعد عنه موت ويبقى لنا الاختيار!

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته