من نزف الحياة إلى فيض الرجاء

معجزة شفاء النازفة معجزة شفاء النازفة | Provided by: George Henry Harlow, 1817 (Public Domain)/NCR

في الأحد الثالث من زمن الصوم وفق التقويم الماروني، تتأمّل الكنيسة في نصّ من إنجيل القديس لوقا (8: 40-56) يتداخل فيه شفاءان: إحياء ابنة يائيروس وشفاء النازفة.

التداخل بين الشفاءين يحمل الكثير من المعاني والعبر: صبيّةٌ (عمرها 12 عامًا) وامرأةٌ (مريضة منذ 12 عامًا) تمثّلان عهدَيْن: المرأة النازفة تمثّل شعب العهد القديم الذي «نزفت» روحانيّته ونضبت صلاته، فجاء الربّ وضخّ الروح فيه من جديد في قلب كنيسة (الصبيّة) ستُضطهد وتشقى، لكنّه يقيمها من موت الخوف والإحباط واليأس في كلّ مرّة تتغلّب على ذاتها بالصلاة والرجاء والغفران والمحبّة.

النزف بحدّ ذاته مرضٌ لا يقلّ خطرًا عن البرص، فالدم بالنسبة إلى البيئة والتقليد السائدين آنذاك هو الحياة. وبالتالي، نزف الدم هو نزفٌ للحياة التي تفقد ببطءٍ، وبفقدانها تنجّس صاحبها وكلّ ما يلمسه أو من يلمسه من أشياء أو أشخاص.

مَنْ منّا لا يعاني من نزيفٍ في حياته؟!

ربّما جسدنا لا ينزف، لكن كلّ واحدٍ منّا لديه نزفٌ في كيانه، روحيًّا أو عاطفيًّا أو إنسانيًّا... فجراح الدنيا كثيرة وهي لا تميّز بين كبيرٍ (المرأة) وصغير (الصبيّة)... لكن شفاء هذه الجراح ليس بمستحيلٍ وشرطه الالتجاء إلى الطبيب الوحيد القادر على تضميد جراح الماضي وتأهيلنا من جديدٍ لعيش الحاضر من دون أن نتألّم ممّا سبق وآلمنا!

دواؤنا إذًا هو العودة إلى الله الشافي الذي يحرّر قلبنا وذهننا من رواسب ما سبق وينقلنا من مستوى الغرق في همّ الماضي إلى مستوى قلوبٍ منفتحة على ما يقدّمه لنا «اليوم» من فرص، فالإنسان مدعوٌّ ليعيش الاستعداد الدائم لتقبُّل تدخّل الله في حياته كيفما كانت طريقة هذا التدخّل!

ما يلفتنا هو وعي النازفة لحالتها فيما كثيرون منّا لا يعون أحيانًا أنّ بعدهم عن الربّ ربّما يكون سبب جروحهم وحزنهم وتقوقعهم... لقد تعايشت المرأة مع حالتها إلا أنّها لم تستسلم، فاستفادت من لحظة مرور الربّ أمامها لتلمس نعمته وتلمسها نعمته بعدما استنفذت كلّ العلاجات البشريّة الممكنة.

لقد أضحت نجمة الحدث فيما كان من المفترض أن يكون الحدث الأساسي هو شفاء ابنة يائيروس، رئيس المجمع، على قدر ما كان للأخير من مكانة.

يظهر من خلال النصّ أنّ سؤال الربّ للمرأة النازفة أتى ليشجّعها على الخروج من قوقعتها وخجلها لأن النزيف كان مرضًا يقود المرأة إلى الحياء في ذلك الوقت...

يشجّعنا الربّ على كسر خجلنا ممّا يعيقنا عن بناء علاقة جليّة معه، نسلّمه عبرها تعبنا أو مرضنا، وخاصّةً خطايانا، ليحرّرنا ويعيدنا إلى مرتبتنا البنويّة، كما أعاد اليوم الفتاة الصغيرة إلى الحياة والمرأة النازفة إلى الحياة الاجتماعيّة.

يدعونا إنجيل اليوم إلى لمس الربّ يسوع بتوبتنا كي يحرّرنا ويعيد إلينا الحياة الحقيقيّة، الحياة فيه ومعه، فنعود شهودًا للرجاء على مثال:

  • يائيروس الذي «سجد» و«اندهش» وهما فعلان يدلّان على إدراك ألوهيّة الربّ إذ إنّ يائيروس رئيس مجمع يهودي ويعلم أنّ السجود لا يحقّ إلا لله وحده!

  • النازفة التي أظهرت إيمانًا كبيرًا بمجرّد يقينها بأنّ لمسها للربّ قد يعطيها الشفاء وبعدها ارتمت هي أيضًا عند قدميه وشهدت لما حدث معها!

بالتالي، نحن مدعوّون إلى:

-أن نجدّد إيماننا ونعمّق علاقتنا مع الله لنتجاوز حدود الطلب والمنفعة إلى الإيمان والشهادة الدائمين!

-أن نتشجّع ونتقرّب من الله ونلمسه لتغيّرنا نعمته وتشفينا من نزفنا الروحي، على مثال شفاء النازفة، أو من موتنا عنه، على مثال شفاء الصبيّة!

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته