المسنا يا ربّ!

شفاء الأبرص معجزة شفاء الأبرص | Provided by: Jean-Marie Melchior Doze, 1864 (Public Domain)/NCR

في الأحد الثاني من زمن الصوم في الكنيسة المارونيّة، نتأمّل في مشهديّة لقاء الربّ يسوع المسيح مع الأبرص بحسب الإنجيلي مرقس (مرقس 1: 35-45).

ذاتَ يوم، كنت أشاهد فيلمًا عن بشارة الربّ يسوع. في مشهد شفاء الأبرص، ركّز المخرج على الدهشة والقلق وحتى الخوف في عيون مرافقي الربّ، فالبرصُ مرضٌ مخيفٌ قد يؤدّي غالبًا إلى الموت. وقد أتى الأبرص إلى الربّ، وهو «مهترئ» بالمعنيَيْن:

-الحرفي: البرص مرضٌ مُعْدٍ يؤدّي إلى اهتراء اللحم وتساقطه وهو مؤلمٌ جدًّا.

-المعنوي: الأبرص شخصٌ منبوذ في المجتمع اليهودي، خوفًا من العدوى الجسديّة والروحيّة إذ كان الناس يعتبرونه كثير الخطايا وهو ينال جزاءه بالمرض.

برزت الدهشة في الفيلم أمام جرأة الربّ لأنّه لمس الأبرص وشفاه من مرضٍ صعب الشفاء!

حدثُ الشفاء أتى لينفي الارتباط ما بين الخطيئة والمرض، الأمر الذي ما زال الكثيرون يعتقدون به، مع الأسف، إذ ما إن يصيبهم أمرٌ سيّئ حتى يسارعوا إلى القول: «ماذا فعلنا لك يا ربّ؟!».

فإن كنّا ممّن يظنّون بأنّ الله يجازي في هذه الدنيا، علينا أن نسارع إلى تغيير نظرتنا، انطلاقًا من نظرة الربّ يسوع إلى هذا الأبرص، وأن نكفّ عن نقل المشكلة من ذواتنا إلى الله، متّهمين إيّاه بمعاداتنا، كما حصل أمام هول الزلزال الكبير منذ فترة!

ففي مقابل هذا المنطق القاسي، نجد في نصّ شفاء الأبرص حوارًا بين الربّ يسوع والأبرص...

نعلم جميعًا أنّ الربّ يسوع كان يمضي وقتًا طويلًا في الصلاة التي تمثّل الحوار الدائم مع الآب، وهو ما يمكن للبعض أن يستصعبوا فهمه، انطلاقًا من وحدة الجوهر بين الآب والابن.

لكن صلاة الربّ لأبيه ليست انفصامًا، بل توحيدٌ للإرادة الإلهيّة في تحقيق الخلاص للإنسان...

من جهة الأبرص، لقد اتّسم هذا الحوار بالصراحة والوضوح والشفافية!

يدفعنا ذلك الأمر إلى التساؤل عن مدى تحوّل صلاتنا أحيانًا إلى تلاوةٍ لكلماتٍ فارغةٍ من المعنى حين نؤدّيها كواجبٍ رتيب بينما تصبح حوارًا يضجّ بالحياة لمّا ندرك أنّ الله يصغي إلينا حين نفتح قلبنا، ونحن، في المقابل، نصغي إليه من خلال كلمات الكتاب المقدّس وتعاليم كنيستنا...

صلاتنا وحوارنا مع الله هما الدواء الناجع لما هو أخطر من البرص الجسدي: البرص الروحي!

ولكن، هل ندرك ما هو برصنا؟

إن كان البرص مرضًا يصيب جسم الإنسان، ما يجعل لحمه يهترئ ويتآكل، فبرص الروح هو البعد عن الله لأنّه يأكل حنايا الروح، فتنهار رويدًا رويدًا...

قد يظنّ بعضنا أن حياةً يملؤها النجاح المادي أو يحرز فيها المرء المناصب أو يتمتّع بما في هذه الدنيا من مباهج هي الحياة الجميلة...

لكن، لا قيمة لما يزول بل كلّ القيمة هي لما يبقى أبدًا وهو الله وما يمنحه الله للناس من نعم...

المزيد

«أن نكون» يعني أن «نكون مع الله»، ومن دون الله نضحي مجرّد وجودٍ يفقد قيمته الأبديّة بالله ومع الله!

فتعالوا اليوم لنمنح الله برصنا، فيمنحنا الغفران ويعيد إلينا الحياة الحقيقيّة على مثال الأبرص الذي أضحى شاهدًا للربّ وهو ما يجعله نموذجًا مختلفًا عمّن يهملون العلاقة مع الله، ما إن تنتظم أمورهم.

عاد الأبرص إلى المجتمع بعدما كان يقيم في مكانٍ قفر، وأصبح يسوع هو الذي يلتجئ إلى أماكنٍ قفرة بكونه لمسه، فصار عرضةً للعدوى الجسديّة. كما أضحى منبوذًا من المجتمع بداعي لمس «الخاطئ» بمفهوم أفراده... فهل ندرك أنّ الله يأخذ حملنا عنّا كي نرتاح ونسعد ونحيا؟!

ربّما أضحى مرض البرص نادرًا في زماننا. في المقابل، يكثر المنبوذون من المجتمعات حتى في عصرنا ذي المقاييس المادّية... فالفقير أو المحتاج أو القليل الإمكانيّات قد يُهَمَّش من الناس الذين يفضّلون التقرّب من المقتدرين في سبيل تحقيق مصالحهم الخاصّة.

إنجيل اليوم يدعونا كي نتحلّى بالشجاعة والجرأة، على مثال الربّ يسوع، فنلمس بروحنا وقلبنا ويدنا آلام الناس، ونسعى، حتى لو كانت إمكاناتنا ضئيلة، لنتضامن معهم أو نعينهم على اختراق جدار الحاجة أو العزل الاجتماعي.

يسوع اخترق جدار الخوف من الناس، فهل سنسعى لنقتدي به؟!

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته