من الفراغ إلى الملء

عرس قانا الجليل عرس قانا الجليل | Provided by: Bartolomé Esteban Murillo, ca. 1672 (Public Domain)/NCR

يبدأ زمن الصوم في الطقس الماروني بأحد عرس قانا الجليل...

قد يستغرب كثيرون الربط ما بين العرس والصوم، وهم محقّون في ذلك إن كانوا ممّن يربطون الصوم بالحزن أو الحرمان...

لذا، فلنعد إلى النصّ لنجد جوابًا عن السؤال...

المعضلة في النصّ هي في نقص الخمر أي تعود إلى الجانب البشري، بينما نجد أن الحلّ يأتي من الجانب الإلهي.

يرمز الخمر إلى ما يمنح البشر السعادة الموقّتة في مناسباتهم السعيدة عادةً أو ما يُنسي البعض موقّتًا همومهم الكثيرة...

الخمر يبدو في هذه الحالة كالمخدّر أو دواء الأعصاب، يصلح لمدّة أو لفترة معيّنة، من دون معالجة المشكلة في العمق!

يرمز نقص الخمر في هذا النصّ إلى افتقاد البشريّة السعادة الحقيقيّة والسلام الداخلي اللذين لا يمكن أن ينبعا خارجًا عن الله ومحبّته...

لذا، نجد أن «عائلة الله» تتدخّل لتجد الحلّ، فمريم تأمر الخدم بإطاعة الربّ، فيما هو يعطي الخمر الذي سيسمح باستكمال الفرح البشري الناقص بخمر فرح لا يزول ولا ينقص لأن نعمة الله لا تنضب ولا تنقص ولا تعتق والأهمّ: لا تُستبدل!

زمن الصوم إذًا هو:

-زمنٌ للتفرّغ لما هو أسمى وأهمّ من القوت المادّي...

-زمنٌ لتحويل كلّ تجربةٍ ننتصر فيها على الشرير أو كلّ ألمٍ يعترضنا إلى سبب ارتقاء في الحياة الروحيّة مع الله.

-زمنٌ لتفريغ الذات من كلّ ما يسلب عقولنا أو قلوبنا أو يلهيها عن تأمّل وجه الله، وخاصّةً مصادر الفرح الموقّتة كالمادّيات الزائلة أو الشكليّات الاجتماعيّة.

-زمنٌ للبحث العميق عن وجه الله في كتابنا المقدّس أو في القربان أو في وجه الجائع أو الشريد أو المريض أو السجين أو المحروم...

-زمنُ استعادة علاقةٍ سليمةٍ مع الربّ، انطلاقًا من تعمّقنا في فهم مشيئته وإرادته القدّوسة كما عبّر عنها في الإنجيل وفي تقاليد الكنيسة وتعاليمها.

-زمنٌ كي نتمرّن على فعل «كلّ ما يأمرنا به يسوع» كي يكون لصومنا معنى وقيمة...

-زمنٌ للامتلاء من الله واختبار الفرح الدائم والحقيقي في الصوم والصلاة والصدقة التي تقودنا إلى الله (الصلاة) والقريب (الصوم في سبيل الصدقة).

في رسالة الصوم للعام 2022، كتب البابا فرنسيس: «إذا كان صحيحًا أنّ حياتنا كلّها هي زمن لزرع الخير، لنستغلّ بشكل خاصّ زمن الصوم هذا لكي نعتني بمن هم قريبين منا ونتقرّب من الإخوة والأخوات الذين جُرحوا على درب الحياة. زمن الصوم هو الزمن الملائم لكي نبحث عن المحتاجين لا لكي نتجنّبهم، ولكي ندعو الذين يحتاجون للإصغاء ولكلمة صالحة لا لكي نتجاهلهم، ولكي نزور الذين يعانون من الوحدة لا لكي نتخلّى عنهم. لنضع موضع التنفيذ النداء لعمل الخير نحو الجميع، ولنُعْطِ من وقتنا لكي نحبّ الصغار والعُزَّل، والمنبوذين والمحتقرين، والذين يتعرّضون للتمييز والتهميش... الصوم يهيّئ الأرض، والصلاة ترويها، والمحبّة تخصّبها».

المزيد

في مطلع زمن الصوم، نتوجّه إلى الربّ ونقدّم له ذواتنا مع ما فيها من نقص ليملأها من حضوره ومحبّته، فنفرّغها من أطعمتها الموقّتة، مادّيًا وروحيًّا لنغتذي بنعمه، وفي طليعتها القربان، من خلال صلتنا به بالصلوات، ولنجسّد هذا الامتلاء بالمحبّة والرحمة...

فإلى صومٍ مبارك وامتلاءٍ بالله ومن الله!

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته