الحبّ أقوى من الموت

صورة تمثّل المسيح القائم من بين الأموات صورة تمثّل يسوع المسيح القائم من بين الأموات | Provided by: geralt via Pixabay

في الأحد الثالث من آحاد التذكارات في الطقس الماروني، نصلّي من أجل الموتى المؤمنين.

مفهوما الحياة والموت مفهومان غامضان لدى معظمنا...

فالطابع المادّي طاغٍ على مقاربتنا للحياة إذ يكفي أن توجّه إلى أحدهم السؤال: «كيف أحوالك؟» ليشرع بتعداد خيراته المادّية أو الشكوى من النواقص لديه. أمّا مقاربته للموت، فتنبع من الخوف المبدئي، لكنّه يشعرك كأنّه سيعيش ألف عامٍ حين يحدّثك عن مشاريعه المرتقبة!

بطريقة رمزيّة ومعبّرة جدًّا، حدّثنا الربّ يسوع عن مصيرنا بعد الموت في مثل الغني ولعازار (لوقا 16: 19-31).

لم يهدّد ولم يتوعّد بل وضع النقاط على الحروف، موضحًا أنّ سرّ الحياة الأبديّة يكمن في محبّة الله المُعَبَّر عنها بأعمال الرحمة والتضامن الإنساني، وهو ما شدّد عليه أيضًا في نصّ الدينونة الكبرى (متى 25: 31-46).

في مَثَلِ الغني ولعازار، نجد أنّ المسكين عُرِفَ اسمه في الملكوت وهو اسمٌ مدلولاته كثيرة، فلعازار يعني «الله سندي أو معونتي»، بينما نجد أنّ من استغنى عن الله وعن أخيه الإنسان وحصر همّه بالغنى المادّي، لم يُحفظ اسمه بل عُرِفَ بما اهتمّ به في هذه الحياة...

نستنتج هنا حقيقة جوهريّة في إيماننا المسيحي قوامها أن الوفر المادّي في هذه الدنيا ليس ضمانةً للحياة الأبديّة ولا يصلح كزوّادةٍ لما بعد الموت، والعبرةُ أنّ الإنسان أهمّ ممّا لديه وفقًا لمقولةٍ فرنسيّة شهيرة ترجمتها: المهمّ هو ما أنت عليه وليس ما لديك!

ما أنت عليه يعني إنسانيّتنا التي هي في آنٍ صورة الله ومثاله، فبقدر ما ننقّي الصورة ونُغني المثال، نكون حاضرين بشخصيّتنا وكياننا في حياة السماء...

في المقابل، بقدر ما نهمل إنسانيّتنا، نبتعد عن الله وصورته ومثاله...

لذا، فإنّ فكرة الموت وغموض توقيته يجب ألّا يُخيفا الإنسان، بل عليهما أن يحفّزاه ليقدّر قيمة كلّ لحظةٍ يعيشها، فيحياها بملئها من دون إهمال الوقت العابر والتعامل مع الأيّام بمنطق الدوّامة المتكرّرة... وبمعنى آخر، يدعونا الموت كي نقدّر أكثر قيمة الحياة!

بالرغم من ذلك، تبقى للموت رهبةٌ كبيرة، خاصّةً أنّه ليس من السهل على الإنسان تقبُّل موت من يحبّهم أو الاستعداد للموت الذي غالبًا ما يكون الخاتمة الطبيعيّة لأمراضٍ محدّدة.

عاطفيًّا، كلّ خسارةٍ صعبة، فكيف إن كانت خسارةً دائمةً من وجهة نظر محض جسديّة؟

لكن، روحيًّا، لا يمكن للخسارة العاطفيّة أن تلغي يقين الإنسان بغلبة الروح للعدم من خلال البقاء في حالةٍ أبديّة لا تتأثّر بالزمان ولا يحدّها مكان...

وعليه، يتحوّل إحساس الخسارة إلى انتظار، وهو ما ندعوه الرجاء الذي يجعل الصلاة لغة تلاقٍ من دون حدود أو عوائق...

في الصلاة، نلتقي بمن نحبّ وهو ما أكده كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة في العدد 1371 كما يلي: «الصلاة من أجل الموتى هي من ضمن التبادل والتضامن الروحي الذي يجمع أبناء الكنيسة في رباط لا ينفصم من الرجاء والمحبّة، ذلك أنّها صلاة الأحياء من أجل الموتى، وصلاة الأموات من أجل الأحياء. فالصلاة الحقّة لا تكون في اتجاه واحد. كما أنّنا لا يمكن أن نغفل أنّ الكنيسة لا تصلّي من أجل الموتى المؤمنين فحسب، بل أيضًا من أجل جميع الموتى ليكون عبورهم من هذه الحياة الزمنيّة عبورًا نحو الحياة الخالدة».

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته