جواز السفر إلى السماء

تمثال المسيح الفادي في ريو دي جانيرو، البرازيل تمثال المسيح الفادي في ريو دي جانيرو، البرازيل | Provided by: fabiowanderley via Pixabay

في الطقس الماروني، نستذكر في الأسبوع الثاني من أسابيع التذكارات «الأبرار والصديقين».

هناك فارق بسيط بين هذا التذكار وعيد جميع القديسين (1 نوفمبر/تشرين الثاني) وهو أنّ:

-عيد جميع القديسين: مخصّص لتذكار القديسين «المعلنين» من السلطة الكنسيّة.

-أحد الأبرار والصديقين: مخصّص لكلّ من عاش «البرارة» ولو لم تعلنه الكنيسة رسميًّا قديسًا بسبب ظروفٍ معيّنة حالت دون ذلك: لم تدوّن سيرته أو فُقدت أو ببساطة عاش ومات ولم يعلم به أحد سوى ربّه!

تتأمّل الكنيسة في هذا الأحد في نصّ الدينونة (متى 25: 31-46) الذي سنقاربه اليوم معًا بأسلوبٍ مختلف.

عندما يرغب الإنسان في السفر، يُشترط عليه حيازة جواز سفر يتطلّب نواله مجموعة إجراءات وملء استمارات عدّة والتمتّع بوضعٍ قانوني سليم أي خلوّ سيرته من الموانع القانونيّة أو العوائق العدليّة للسفر.

بالمعنى الروحي، يتمتّع الإنسان بوضعٍ قانوني سليم من خلال سرّ التوبة وعيش حياةٍ دائمة التجدّد مع الله، وهو ما يتحقّق بحياة الصلاة والأسرار والانتماء العميق إلى الكنيسة.

أمّا بالمعنى العملي، فالمطلوب للحصول على تأشيرة الدخول إلى السماء واضحٌ في هذا النصّ ويُختَصر بكلمةٍ واحدة: «الرحمة» التي لا تستلزم بالضرورة أعمالًا جبّارة بل تقتضي أوّلًا وعيًا للاحتياجات البسيطة لمن هم حولنا!

لا يعني هذا أنّ الصلاة لا تجدي بل يدلّ بوضوح على كيفيّة ترجمتها في أعمالٍ تجسّد عمق محبّتنا لله ولصورته بيننا: الإنسان!

كثيرون يخطئون حين يظنّون أنّ الفصل ممكن، في ممارستنا اليوميّة لمسيحيّتنا، بين البعدين الروحي والعملي، فمنذ تجسّد الربّ، توحّد لاهوت الله مع ناسوت الإنسان بشكل أصبح فيه الفصل ما بين الله والإنسان مستحيلًا. وبالتالي، أضحى غير ممكن ادّعاء محبّة الله من دون النظر إلى الإنسان المحتاج، ومن غير الوارد القيام بأعمال الخير بمجّانيّة إن لم يكن الدافع إليها محبّة الله!

هذا ما فهمته الكنيسة وقدّيسوها عبر العصور منذ عهد الرسل واختصره القديس يوحنا الصليب الكرملي بالقول: «عند مساء حياتك، ستُدان على الحبّ»، وترجمته القديسة تريزا دي كلكوتا بمقاربتها الآتية: «إنّ أكبر عطشٍ في عصرنا هو الجوع إلى الحبّ» و«إنّ ثمرة الإيمان المحبّة وثمرة المحبّة الخدمة!».

إنجيل الدينونة يُظهر أنّ الطريق إلى الله تمرّ حكمًا بالإنسان وهو ما عبّر عنه يوحنا في رسالته الأولى كاتبًا: «إِذَا قَالَ أَحَد: "إِنِّي أُحِبُّ الله"، وهُوَ يُبْغِضُ أَخَاه، كَانَ كَاذِبًا لأَنَّ الذي لا يُحِبُّ أَخاهُ وهُوَ يَرَاهُ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ وهُوَ لا يَرَاه. ولنَا مِنْهُ هذِهِ الوَصِيَّة: مَنْ يُحِبُّ اللهَ، يُحِبُّ أَيْضًا أَخَاه!» (1 يوحنا 4: 20-21).

هذه المحبّة ليست موقفًا مبدئيًّا أو نظريًّا بل فعلٌ متجسّدٌ واقعيٌّ في سلوكٍ يترجم المحبّة والرحمة في آن وهو ما يدعونا الربّ إلى القيام به اليوم وفي كلّ يوم!

بمختصر مفيد، طريق السماء تمرّ حكمًا عبر محبّة الإنسان!

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته