درب التجذّر في محبّة الله

صورة تمثّل كاهنًا يصلّي في الكنيسة صورة تمثّل كاهنًا يصلّي في الكنيسة | Provided by: cottonbro studio via Pexels

في الطقس الماروني، نبدأ الفترة الاستعداديّة للصوم بأسابيع ثلاثة نستذكر في خلالها على التوالي الراقدين من الكهنة والأبرار والموتى المؤمنين.

في هذا الأحد، نستذكر الكهنة الراقدين، متأمّلين في مثل الوكيلَيْن -الأمين الحكيم/الشرّير (لوقا 12: 42-48)- الذي يخاطب ضمير كلّ كاهنٍ ومعه ضمير كلّ إنسانٍ مسيحي ليطرح على ذاته سؤالَيْن مستوحيَيْن من الآية الختاميّة لهذا النصّ، وهما:

-هل أدرك أنّ الله أعطاني الكثير من النعم وأعرفها سواءً أكانت جسديّة أم روحيّة؟

-هل أنا أمينٌ على هذه النعم لأستطيع أن أنقل إيماني للآخرين؟

في عصرٍ يكثر فيه التشكّي ممّا لدينا أو الطمع في ما ليس لدينا في حين أنّ القناعة غائبةٌ عن الأذهان والقلوب، ربّما أفضل ما يقوم به المرء ليدرك ما لديه هو تصوّر حياته من دون ما لديه حاليًّا، وعندها سيدرك قيمة الأشخاص الذين يحيطون به أو الأشياء التي يملكها من دون أن يصل إلى مرحلة فقدانها؟!

مجتمعنا يغوص يوميًّا في المشاكل والصعاب ويعاني من الضيقات. لذا، يأتي هذا النصّ ليهزّ كياننا ويدفعنا للابتعاد عن الشكوى من كلّ شاردة وواردة، فما لدينا هو فائضٌ علينا أن نشاركه مع الآخرين إن تخطّينا في تفكيرنا وحياتنا المنطق المادّي الصرف!

بهذا المعنى، يدعونا مثل الوكيلَيْن كي نحيا من جديد بروح العرفان للربّ على عطاياه ونشر روح الشكر على ما لدينا بقناعةٍ وإدراك بأنّ أهمّ ما نملكه هو محبّة الله، فهي الوحيدة التي ستستمرّ بعدما نفقد كلّ شيءٍ حتى حياتنا الجسديّة، وهو ما لخّصته القديسة تريزيا الأفيليّة الكرمليّة بالقول: «من له الله، له كلّ شيء»!

كلّ هذا ينطلق من عيش الأمانة!

ولكن الأمانة وحدها من دون حكمة تفشل في تأدية المطلوب منها على أكمل وجه أو تصبح عرضةً لصعابٍ كثيرة تعوقها عن بلوغ غايتها.

كلّ وكيلٍ في هذه الدنيا معرّضٌ لتجربة الإخلال بالأمانة إن لم تكن لديه الحكمة الكافية للقيام بالخيارات الأسلم والأنسب بالتوافق مع مقتضيات وكالته. فكم بالأحرى إن كان الوكيل مسيحيًّا أو كاهنًا مكلّفين بنشر نور المسيح إلى الناس فالعالم أجمع؟

بهذا المعنى، يدعونا إنجيل اليوم إلى تجديد وكالتنا من خلال التغذّي من نبع الحكمة، كلمة الله، عبر هدي الروح القدس!

في هذا الأحد الذي نستذكر فيه الكهنة الراقدين ونصلّي من أجلهم، هلمّوا نسأل ذواتنا:

-كم كاهنٍ عرفت في حياتي؟

-كم مرّة سمعت عن كاهنٍ قام بما عليه ومضى إلى بيت الآب؟!

قد نكون سمعنا عن هفواتٍ كثيرة، لكن الأرجح أنّ أهلنا أو كبار عائلتنا قد ذكروا أمامنا فضائل ومآثر لم تُعْرَف إلّا بعد الممات لأنّهم عملوا الصالحات خفيةً كي لا يتلقّوا مديح الناس ولم يتكبّدوا عناء الدفاع عن ذواتهم أمام الاتهامات لأنّهم آمنوا بعدالة السماء القائمة على الغفران أكثر من إيمانهم برضا الناس الاستنسابي!

نصلّي من أجلهم، نعم!

ولكن، أيضًا، نتعلّم منهم أن نشهد للربّ وفق معطيات زمننا الحاضر، فوكالتهم تمّموها بأساليب مناسبة للماضي بينما نسعى في زماننا للشهادة للربّ بأساليب جديدة ربّما لكنّها تبقى متوافقة مع جوهر رسالة كلّ مسيحي وهو أن يظهر للناس صورة الربّ الناصعة وإن كان ضعفه البشري يعوقه أحيانًا!

المزيد

ربّما على كلّ كاهن وكلّ مسيحي أن يتعلّم ممّن سبقنا من الكهنة المبدأ الآتي وهو ألّا نجعل سعادتنا نابعةً عن مدح الناس ولا حزننا ناجمًا عن آرائهم بنا، بل لتكن طمأنينتنا دائمًا مبنيّةً على مدى كون حياتنا تعبيرًا عن سلام الله في داخلنا!

أعطنا يا ربّ كهنةً ومكرّسين وعلمانيين قديسين، آمين.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته