الحيرة... مملكة أثريّة تشهد على تاريخ المسيحيين في العراق

من آثار أقدم مدينة مسيحيّة عراقيّة، الحيرة-النجف من آثار أقدم مدينة مسيحيّة عراقيّة، الحيرة-النجف | Provided by: The Nahrein Network

الحيرة مملكة أقامها الفرس في القرن الثالث الميلادي على ضفّة نهر الفرات لتكون صلة وصل بينهم وبين العرب. أصل اسمها من كلمة «حرتا» السريانيّة، ومعناها الحصن أو الدير. وكان أهلها، على غرار شعب مملكة الأنباط وأهل تدمر، يتكلّمون اللغة العربيّة لكنّهم يكتبون بالسريانيّة، لغة صلواتهم.

بحلول القرن الخامس، غدت الحيرة أبرشيّة مشرقيّة. فلقد كان امرؤ القيس بن عمرو (295- 328) أوّل ملك منها يهتدي إلى المسيحيّة. ويذكر البطريرك لويس ساكو في كتابه خلاصة تاريخ الكنيسة الكلدانيّة أن أسقف المملكة حينذاك هوشع شارك في مجمع كنيسة المشرق المعروف بمجمع إسحق في العام 410.

من آثار أقدم مدينة مسيحيّة عراقيّة، الحيرة-النجف. Provided by: The Nahrein Network
من آثار أقدم مدينة مسيحيّة عراقيّة، الحيرة-النجف. Provided by: The Nahrein Network

في أيّام الملك النعمان بن المنذر (582-609)، كانت المسيحيّة قد انتشرت بين قبائل عربيّة عدّة، وترسّخت وعظم شأنها في الحيرة، وكان يُدعى المسيحيّون في هذه الأخيرة بالعبّاد. فصارت المملكة يومها أحد أهمّ مراكز نقل البشارة إلى جوارها الجغرافي، ولا سيّما إلى القبائل العربيّة. فمن خلال مركزها المرموق بين القبائل وحركة التجارة المزدهرة فيها، ساهمت في نشر المسيحيّة المشرقيّة في شبه الجزيرة العربيّة، خصوصًا في بلدان الشاطئ الشرقي لشبه الجزيرة العربيّة: قطر أو بيت قطرايي والبحرين أو داراي وعُمان. وقد كشفت التنقيبات الحديثة عن آثار دير مشرقي بجزيرة السينية بأمّ القيوين في الإمارات العربيّة مشكّلة بذلك دليلًا على انتشار المسيحيّة في تلك الأنحاء.

من آثار أقدم مدينة مسيحيّة عراقيّة، الحيرة-النجف. Provided by: The Nahrein Network
من آثار أقدم مدينة مسيحيّة عراقيّة، الحيرة-النجف. Provided by: The Nahrein Network

اليوم، تبعد آثار مملكة الحيرة نحو عشرة كيلومترات جنوب شرق مدينة النجف العراقيّة. وبالرغم من دورها التاريخي، لا تحظى بما تستحقّه من اهتمام، بحسب علماء آثار عراقيين. ففيها مئات المعالم الأثريّة التي تدلّ على مسيحيّة هذه المملكة القديمة إذ إن هناك أطلال كنائس وأديرة يقارب عددها الأربعين، إلى جانب القصور والمقابر، وأشهرها دير هند الكبرى الذي سُمِّيَ على اسم هند بنت الحارث بن عمرو الكندي، دوّنت على مدخله هذه العبارات: «بَنَتْ هذه البيعة هند بنت الحارث بن عمرو بن حجر الملكة بنت الأملاك وأمّ الملك عمرو بن المنذر، أمة المسيح وأمّ عبده، في زمن مار أفريم الأسقف...». ومن أديرة الحيرة الشهيرة أيضًا: دير اللجّ، دير مارت مريم، دير هند الصغرى، دير الجماجم، دير عبد المسيح، وغيرها.

برز من الحيريين أعلامٌ خدموا الكنيسة، منهم: الأسقف إيليا الحيري، الأسقف حنانيشوع الحيري، الراهبة هند الصغرى، ابنة الملك النعمان بن المنذر التي بَنَتْ ديرًا أيضًا يحمل اسمها، وعاشت تكرّسها فيه لابسةً المسوح.

وتجدر الإشارة إلى أن الحيرة سقطت بيد جيوش المسلمين في أواسط القرن السابع، وأدّى تأسيس مدن جديدة إلى أفول نجمها.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته