الراعي يعرب عن ألمه لاستشهاد ثلاثة جنود من الجيش اللبناني

الراعي يحتفل بالذبيحة الإلهية لمناسبة أحد مدخل الصوم الراعي يحتفل بالذبيحة الإلهيّة لمناسبة أحد مدخل الصوم | Provided by: Maronite Catholic Patriarchate of Antioch

عبّر البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عن ألمه العميق لاستشهاد ثلاثة جنود من الجيش اللبناني بينما كانوا ينفّذون منذ يومين عمليّة دهم في حورتعلا-لبنان. كلام الراعي هذا الذي أتى في عظة أحد مدخل الصوم الكبير، اليوم في بكركي، لم يخلُ من تأنيبٍ وجّهه للسياسيين اللبنانيين بسبب تعطيلهم المستمرّ لعمليّة انتخاب رئيسٍ للجمهوريّة وتشكيل حكومة.

اعتبر الراعي أن السياسيين حوّلوا لبنان وشعبه وجمال طبيعته وغنى موارده إلى مأتم كبير. وفي إشارة إلى الذين يتحمّلون المسؤوليّة قال: «ما حدا يقول أنا مش منهم». وأردف أن لبنان ليس خاصّة النافذين، بل خاصّة شعبه.

وجاء في عظة الراعي ما يلي:

«كان يسوع وأمّه وتلاميذه في العرس» (يو 2: 1-2)

1.افتتح يسوع رسالته الخلاصيّة ومعه الكنيسة الناشئة، أي أمّه وتلاميذه، في عرسٍ بَشَريّ، وكأنّه استباق لعرسه الخلاصي. ففي عرس قانا الجليل حوّلَ بتشفّع أمّه مريم، الماء إلى خمر فائق الجودة. وبذلك، قدّس الحبّ البشري في الزواج. أمّا في عرسه الخلاصي، وبحضور رسله الاثني عشر، فحوّل الخمر إلى دمه فداءً لخطايا البشر، في عهدٍ جديد من الحبّ وأبديّ مع البشريّة جمعاء. وبهذا، بدأ زمن التغيير الجديد في الإنسان والكون.

2.يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة، مفتتحين في هذا الأحد زمن الصوم الأربعيني المقدّس، راجين أن يتحقّق فينا وفي كل إنسان التجدّد في حياته الخاصّة نحو الأفضل، بالفكر والقلب والمسلك. وهذا ما يهدف إليه هذا الزمن الليتورجي، أي: الصيام والصلاة والصدقة. هذه الثلاثة نتكلّم عنها بإسهاب في رسالتي العامّة لزمن الصوم، وهي بموضوع: «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان» (متى 4: 4)، للدلالة على أن الإنسان يحتاج لحياة جسده وروحه إلى خبزَيْن: الخبز المادّي، وخبز جسد المسيح الفادي.

3.فيَطيبُ لي أن أرحّب بكم جميعًا، وأحيّي كل الذين واللواتي يشاركوننا في هذه الذبيحة المقدّسة عبر وسائل الاتصال الاجتماعي، وبخاصّة تيلي لوميار-نورسات. في هذا الأحد المبارك، تبدأ رابطة كاريتاس-لبنان حملتها السنويّة، وموضوعها العام «مكمّلين بدعمكن»، فأحيّي باسمكم جميعًا رئيسها عزيزنا الأب ميشال عبّود الكرملي، وأعضاء المجلس والمسؤولين عن الأقاليم والمراكز على كامل الأراضي اللبنانيّة، والموظّفين والمتطوّعين وشبيبة كاريتاس الحاضرة دائمًا في السِلم وفي حالات الطوارئ، والمرشد العام والمرشدين الإقليميّين.

وأوجّه تحيّة شكر خاصّة لأخينا المطران ميشال عون الذي أشرف لسنواتٍ على رابطة كاريتاس، باسم مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، وأرحّب بخلفه أخينا المطران أنطوان بو نجم راعي أبرشيّة أنطلياس، شاكرًا له ما سيبذل من جهود في خدمته هذه. وفي كل مرّةٍ نلتقي مع كاريتاس نتذكّر البدايات، فنحيّي أخينا المطران سمير مظلوم أوّل رئيس لها والذي أرسى أساستها، كما أحيّي الرعيل الأوّل الذي أراه أمامي وكل الذين تفانوا في هذه الخدمة المُحبّة للمسيح.

4.قبل البدء بالتعريف عن كاريتاس-لبنان ونشاطاتها في خدمة المحبّة باسم الكنيسة في لبنان، أعرب معكم عن الألم العميق لاستشهاد ثلاثة جنود من الجيش اللبناني كانوا منذ يومين يقومون بواجبهم الوطني عبر عمليّة دهمٍ لمخدّرات وسيّارات مسروقة وآر بي جي وقنابل يدويّة وأسلحة وذخائر حربيّة وأعتدة عسكريّة، ولوحات سيّارات مسروقة، وأجهزة إلكترونيّة وخلويّة. والشهداء هم: الرقيب بول أنطوان الجردي (23 سنة من تعلبايا)، والرقيب جورج فيليب أبو شعيا (22 سنة من أبلح)، والمعاون أوّل حسن خليل شريف (34 سنة من مقراق بعلبك وله ثلاثة أولاد). وكان استشهادهم في عمليّة دهم المطلوبين في حورتعلا-بعلبك. فإنّا نذكرهم في هذه الذبيحة المقدّسة، ملتمسين من رحمة الله راحتهم الأبديّة في السماء، وعزاء أهلهم وعائلاتهم، وقيادة الجيش وسائر أركانه ورتبائه وضبّاطه وجنوده، ونسأل الله أن يعوّض على الجميع بسلامتكم، وبحماية الجيش اللبناني ونموّه وعزّته. فلا يمكن لمنطقة محافظة بعلبك-الهرمل أن تستمرّ وتبقى خارج دائرة الأمن اللبناني، ومحميّة من النافذين بسلاحهم وأحزابهم وسلطتهم.

5.رابطة كاريتاس–لبنان هي جهاز الكنيسة الرسمي المشترك الرعوي-الاجتماعي، على غرار الشمامسة السبعة الذين أنشأهم الرسل لخدمة المحبّة تجاه الفقراء والأرامل، لكي يتفرّغوا هم لخدمة الكلمة وتوزيع نعمة الخلاص (راجع أعمال 6: 1-7). فانطلقت الكنيسة ملتزمةً بثلاث خدمات مترابطة ومتكاملة: خدمة الكلمة بإعلان إنجيل المسيح لحياة الإيمان، وخدمة الأسرار لتقديس النفوس بالنعمة الإلهيّة، وخدمة المحبّة المنظّمة والشاملة لمن هم في حالة فقر وحاجة. تنتسب إذًا رابطة كاريتاس-لبنان إلى صميم هيكليّة رسالة الكنيسة التي تسلّمتها من المسيح الربّ.

6.إن حملة كاريتاس-لبنان السنويّة تقتضي مساهمة الجميع كالعادة، بحيث يقدّم كل واحد وواحدة منّا ما يجود به من قلبه وذات يَدِه، كثيرًا كان أم قليلًا، للمساعدة في خدمة المحبّة، وتعزيز برامج كاريتاس المتنوّعة ومن بينها:

الخدمات الصحّية من خلال مراكزها العشرة في مختلف المناطق، ومن خلال عياداتها النقّالة التسع التي تجوب وتؤمّن الاستشارات الطبّية الأساسيّة والأدوية لأصحاب الأمراض المزمنة.

تأمين دعم مالي مباشر أو عبر المستشفى لكل من يطلب مساعدتها بدون تمييز.

تقديم خدمات اجتماعيّة متعدّدة في مختلف القطاعات، ولا سيّما للأطفال وأصحاب العمر الثالث، ومنهم لاجئون وأجانب من جنسيّات مختلفة. وتشمل توزيع حصص غذائيّة وتأمين المأوى والمساعدات الماليّة الطارئة والدعم النفسي والاجتماعي، وخدمات تربويّة خاصّة في مراكز التعليم المتخصّص للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصّة وعددها أربعة.

برامج خاصّة بالأجانب المقيمين في لبنان، فتوفّر لهم ما يحتاجون إليه من سبل الرعاية الصحّية والاجتماعيّة والسكنيّة والقانونيّة وسواها.

تعزيز التنمية المستدامة، وتأمين المساكن لإيواء عائلات محتاجة، والمطاعم التي تُقدّم الغذاء اليومي لمن يطلبونه.

ولقد عملت كاريتاس-لبنان جاهدةً للانفتاح على المجتمع الدولي من خلال اجتماعات مكثّفة مع عدد كبير من سفراء الدول الكبرى ومع مختلف المنظّمات الدوليّة والجهات المانحة. وفي المقابل، زارها عدد من البعثات الدبلوماسيّة وكذلك الجهات المانحة، وقد أتت لتنفيذ برامجها ووضع خطط استراتيجيّة. وإن كاريتاس-لبنان مشكورة، كانت وما زالت داعمةً للإنسان والإنسانيّة رغم كل المعضلات والمصاعب. وستظلّ دائبة في دعمها المحتاجين ليس فقط في لبنان، بل وفي البلدان المجاورة، إذ وسّعت نطاق عملها لتصل إلى سوريا عبر شبيبة كاريتاس بعد الزلزال الذي أصابها. لكنّها لا تستطيع أن تكمل مسيرتها العطائيّة إلّا من خلال استمرار دعم الجهات المانحة والمنتشرين اللبنانيين، ومساعدة الأيادي البيض التي لطالما كانت الداعم الأبرز لها على الصعيدين الإنساني والمادّي. كلّهم نذكرهم في هذه الذبيحة المقدّسة لكي يعوّض الله عليهم بفيضٍ من عطاياه وبركاته لكي يظلّوا شاهدين لمحبّة الله في العالم.

المزيد

7.العرس في قانا هو المجال الأوّل، حيث بدأ يسوع الرسالة الموكلة إليه من الآب، وقد حانت ساعتها عند طلب أمّه: «ليس عندهم خمر». فأجرى الآية وأعلن البشرى الجديدة، أي حلول ملكوت الله الموعود في الكتب المقدّسة منذ أجيال، «فأظهر مجدَه وآمن به تلاميذه». بالحقيقة من يقبل كلام المسيح، يقبل الملكوت نفسه.

8.عرس قانا صورة مصغّرة عن الكنيسة: يسوع رأسها والتلاميذ أركانها ومريم أمّها والجماعة الحاضرة نواة شعبها. الماء المحوّل خمرًا استباق للإفخارستيّا ولتحويل الخمر إلى دمِهِ المراق لفِداء البشر. العروسان أوّل كنيسة مصغّرة بيتيّة. العرس في قانا هو أوّل زواج كَسِرٍّ بعد زواج يوسف ومريم. الخمرة الجيّدة هي رمز محبّة الله ونعمته.

9.مريم أمّ يسوع وأمّ الكنيسة تشفع من أجل أعضاء جسد ابنها، البشر المفتدين بدمه. تلتمس تدخّل ابنها، الوسيط الوحيد بين الله والناس، هي التي جعلت نفسها «أمة الربّ»، المستعدّة لخدمة عطاءاته المجّانيّة، النابعة من استحقاقات المسيح ابنها. بوساطتها وتشفّعها، تدعم اتّحاد المؤمنين المباشر بالمسيح: «افعلوا ما يقول لكم». إن وساطتها مرتبطة بأمومتها الحاضرة، بدون انقطاع في الكنيسة، حضور الوسيط الذي يتشفّع. ولهذا تدعوها الكنيسة: «المحامية والمعينة والمغيثة والوسيطة» (الدستور العقائدي في الكنيسة 62). مريم الحاضرة في الكنيسة هي مثال الإيمان والمحبّة في اتّحادها الكامل بإرادة الآب وعمل الفداء الذي يتمّمه ابنها، وإلهامات الروح القدس، بل هي التحقيق النموذجي لسرّ الكنيسة (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة 967). وهي علامة رجاء أكيد وتعزية للبشر أجمعين (المرجع نفسه 972).

10.في عرس قانا، أيّها الأحبّاء، تظهر قدسيّة الزواج وكرامته. لقد قدّسه يسوع بحضوره وأصبح «كنيسة بيتيّة مصغّرة». هذه القدسيّة والكرامة تأتيه من حضور يسوع وأمّه وتلاميذه في العرس، فكانوا مع العروسَيْن والمدعوّين الكنيسة الناشئة، كما قلت. «استبقاء الخمرة الجيّدة إلى الأخير»، وهي عطيّة يسوع بتشفّع أمّه، إنّما يرمز إلى خمرة النعمة والمحبّة الإلهيّة التي تقدّس حبّ العروسين، وتعضدهما في مسيرة حياتهما الزوجيّة والعائليّة، وتشكّل ينبوع سعادتهما.

هذا هو «المجد الإلهي الذي أظهره يسوع، وآمن به تلاميذه» (يو 2: 11).

أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء،

11.العرس هو فرحة العمر في حياة الإنسان والمجتمع. وكم كنّا نودّ مع الشعب اللبناني أن نعيش فرحة عرس العيش معًا في وطنٍ لبناني يؤمّن فيه المسؤولون السياسيّون، ولا سيّما نوّاب الأمّة طيبَ الحياة للجميع، بانتخاب رئيسٍ للجمهوريّة لكي تعود الحياة الدستوريّة المنتظمة بمجلس نوّابٍ يعود ليكون هيئة تشريعيّة، وبحكومة شرعيّة كاملة الصلاحيّات كسلطة إجرائيّة.

(تستمر القصة أدناه)

فيا أيّها المسؤولون السياسيّون، النوّاب، النافذون، والمعطّلون بوجهٍ أو بآخر، «ما حدا يقول أنا مش منهم»، لقد حوّلتم عرس لبنان وشعبه، وجمال طبيعته، وغنى موارده إلى مأتم كبير. ووشّحتموه برداء أسود من الفقر والجوع والحرمان والتهجير. تهجّرون الشعب من وطنه، وتفتحون أبوابه لمليونين وثلاث مئة ألف نازح سوري، وهو ما بدأ يفوق نصف عدد الشعب اللبناني ويهدّد لبنان والكيان.

ترفضون أيّ نصيحة من الدول الصديقة والحريصة على استقرار لبنان واستعادة قواه، وكل دعوة ملحّة لانتخاب رئيس للجمهوريّة، فتدعون ذلك تدخّلًا ومسًّا بكرامتكم. إنّهم يريدون حماية لبنان منكم، من كل عدوّ له يأتيه من الداخل، وانتشال الشعب من براثن أنانيّاتكم وكبريائكم ومشاريعكم الهدّامة. فلا لبنان خاصّتكم، بل خاصّة شعبه! ولا الشعب غنيمة بين أيديكم، بل غنًى لوطنه لبنان. فارفعوا أيديكم عن لبنان وشعبه.

إخوتي، أخواتي،

12. هذه الصرخة نستودعها رحمة الله وأبوّته للجميع، فهو الإله العادل ماقت الشرّ والظلم. له المجد والتسبيح الآن وإلى الأبد، آمين.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته