«خسرنا موزار اللاهوت»... الأخت سوزان واكيم تشرح أهمّ خصائص فلسفة البابا بنديكتوس

البابا بنديكتوس السادس عشر في حفل موسيقي بمناسبة عيد ميلاده في العام 2012 البابا بنديكتوس السادس عشر في حفل موسيقي بمناسبة عيد ميلاده في العام 2012 | Provided by: Catholic News Agency

بعد وفاة البابا بنديكتوس السادس عشر عن عمر يناهز 95 عامًا، سألنا الأخت د. سوزان واكيم من جمعيّة الراهبات الباسيليّات المخلصيّات، عن أهمّ خصائص فكر البابا الفلسفي. الأخت واكيم أستاذة محاضرة في جامعة القديس يوسف ومعهد القديس بولس للفلسفة واللاهوت في حريصا والجامعة الأنطونيّة في لبنان. أجرت واكيم أيضًا دراسة فلسفيّة حول فكر جوزيف راتزينغر، أي البابا بنديكتوس، في أطروحة دكتوراه نشرتها تحت عنوان: «الأسس الأنثروبولوجيّة في فلسفة جوزيف راتزينغر». 

مع رحيل البابا، اعتبرت الأخت سوزان، في حديث خاصّ إلى «آسي مينا»، أنّ الكنيسة خسرت أحد أكبر لاهوتيّي القرنَيْن العشرين والحادي والعشرين. «هو إنسان عظيم ترك بصمته في الكثير من النقاشات اللاهوتيّة والأخلاقيّة والسياسيّة»، على حدّ تعبيرها. شرحت واكيم أنّ أحد أصدقاء البابا الراحل لقّبه بـ«موزار اللاهوت»، أي أبدع بامتياز كما فعل فولفغانغ أماديوس موزار في عالم الموسيقى، «وهذا البابا برجاحة فكره وعمقه الروحي والإنساني بقي على الالتزام بالإيمان، مؤكدًا أنّ قمّة الحقيقة تجلّت في يسوع المسيح. كلاهوتي وكاردينال في مجمع عقيدة الإيمان وكبابا هو إنسان لا يتكرّر»، كما قالت واكيم. 

فكر مهمّ للقرنَيْن العشرين والحادي والعشرين

وأضافت الأخت واكيم: «هذا البابا من أغزر الباباوات كتابةً، فله مؤلّفات كثيرة. كتاباته مهمّة للقرنَيْن العشرين والحادي والعشرين لأنّ الإنسان توجّه في هذَيْن القرنَيْن إلى الفكر المادّي مبتعدًا عن الماورائيّات. من هنا، اهتمّ بنديكتوس بالإضاءة على كرامة الإنسان وقيمته والحفاظ عليه على الرغم من الضعف الذي يكمن فيه لأنّ البشر على صورة الله ومثاله». 

البابا بنديكتوس السادس عشر في خلال الأيّام العالميّة للشبيبة في مدريد عام 2011. Provided by: Vatican Media
البابا بنديكتوس السادس عشر في خلال الأيّام العالميّة للشبيبة في مدريد عام 2011. Provided by: Vatican Media

الخطّ الأفلاطوني الأغسطيني

شرحت الأخت واكيم أنّ هناك خطَّيْن في الفلسفة الكلاسيكيّة: الخطّ الواقعي المبني على فكر أرسطو والخطّ المثالي المبني على فكر أفلاطون. وجوزيف راتزينغر، أي بنديكتوس السادس عشر، كتب أطروحة الدكتوراه الخاصّة به حول القديس أغسطينوس الذي كان من أتباع خطّ أفلاطون الفلسفي. من هنا، فكر راتزينغر الفلسفي الأنثروبولوجي -أي الذي يتكلّم عن الإنسان- متعدّد، لكنّه لا يخرج عن التيّار الفلسفي الأفلاطوني الأغسطيني. وتابعت واكيم: «بنديكتوس تأثّر أيضًا بمجموعة متنوّعة من الشخصيّات الفكريّة واللاهوتيّة منهم أغسطينوس وبوناونتورا وهانس أورس فون بالتازار ورومانو غوارديني وهنري دو لوباك وغيرهم». 

خطر الفلسفة النسبيّة

لم يكن بنديكتوس القريب من الفكر الكلاسيكي بعيدًا عن الفكر المعاصر، بحسب الأخت واكيم. هو استشهد بالكتّاب القدامى لكنّه ذكر المفكّرين المعاصرين. هو ناظر مفكّرين مسيحيّين معاصرين وملحدين في حين كانت له مواقف واضحة من تيّارات معاصرة مثل النسبيّة أو الفكر النسبيّ مثلًا. والنسبيّة ترفض الحقيقة الواحدة، فتجعل الشخص المرجع بذاته، بحسب واكيم. 

البابا الراحل اعتبر أنّ الفكر النسبيّ سيؤدّي بنا في آخر المطاف إلى مجتمع غير منضبط ومليء بالفوضى في شتّى المجالات. وهذا ما نشهده اليوم، بحسب بنديكتوس، في الإجهاض والقتل الرحيم والتلاعب الجيني وإلخ. من هنا، اتّفق بنديكتوس في النقاش الأخلاقي مع الفيلسوف هابرماس الذي يرى ضرورة إجراء حوار لوضع مبادئ أخلاقيّة سامية والابتعاد عن سهولة التلاعب بالخيارات الحياتيّة. فطالب البابا الألماني بأن يتمّ إنشاء لجان علميّة تضع قِيَمًا وضوابطَ أخلاقيّة، بالأخصّ مع التطوّر العلمي الحالي. 

تأليه الإنسان

من أهمّ الأفكار التي ركّز عليها البابا الراحل كانت «تأليه الإنسان»، كما أردفت الأخت واكيم. يرى البابا في قول القديس إيريناوس: «الله صار إنسانًا ليجعل الإنسان إلهًا»، قمّة الإنسان وقيمته وكرامته أي أنّ هدفه وطموحه هو التألّه وليس أن يبقى إنسانًا لأن البشري يصبو دائمًا نحو الخلود والمطلق بعكس ما يشيع التيّار المادي. 

البابا بنديكتوس السادس عشر. Provided by: Vatican Media
البابا بنديكتوس السادس عشر. Provided by: Vatican Media

بنديكتوس وفكر توما الأكويني

أخذ فكر توما الأكويني والفكر السكولاستيكي، الذي شكّل توما أحد أعمدته الأساسيّة، حيّزًا كبيرًا في الدراسات اللاهوتيّة في الغرب، بخاصّة في الفترة السابقة للمجمع الفاتيكاني الثاني. لكن بنديكتوس لم يكن مفتونًا جدًّا بهذا الفكر، وفق ما أكدت الأخت واكيم. ومع أنّ فيلسوفًا يدعى ألفرد لابيل يقول إنّ راتزينغر تأثّر كثيرًا بالفلسفة التوماويّة لكنّ هذا الأخير قال: «وجدت صعوبات في أن أفهم أفكار توما الأكويني لأنّ منطقه الواضح يبدو لي منغلقًا على ذاته وغير شخصي إذ حُبِكَ بطريقة يصعب تعديله».

بنديكتوس اعتبر توما الأكويني، بشتّى الأحوال، ثروة ومرجعًا مهمًّا في الكنيسة وهو استند إليه وقرأ الفلسفة التوماويّة المعاصرة. لكنّه شعر بأنّ طريقة اللاهوت السكولاستيكي المبنيّة على الجدل اللاهوتي والعرض المنهجي للمعتقدات المسيحيّة والإيمان الكاثوليكي جامدة وليست شخصيّة، فعصرنا اليوم يحتاج إلى مقاربة أخرى. 

الحاجة إلى الحركة الرومانسيّة

المزيد

إضافة إلى علماء اللاهوت الألمان كبالتازار وكارل راهنر، رأى البابا اللاهوتي أنّ العصر يحتاج أكثر إلى الفكر الرومانسي والقرب من الإنسان. والحركة الفكريّة الرومانسيّة هي تلك التي تستند إلى البعد الإنساني بدل المعالجات الجامدة والمنطقيّة، كما قالت واكيم.  


رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته