القديسة فيرونيكا جولياني… أيقونة حقيقيّة للمسيح المصلوب

تمثال القديسة فيرونيكا جولياني-صورة تمثال القديسة فيرونيكا جولياني | Provided by: Guitta Maroun/ACI MENA

كانت أورسولا الصغرى بين شقيقاتها السبعة. فقدت والدتها في السّابعة من عمرها. وفي السابعة عشرة من عمرها، دخلت أورسولا دير الراهبات الحبيسات للكلاريس الكبّوشيّات في مدينة كاستيلّو، بعدما أحسّت برغبة عميقة تدفعها لاعتناق الحياة الرّهبانيّة، وبقيت في الدّير طوال حياتها، وحملت اسم فيرونيكا حتّى أصبحت بالفعل أيقونة أي صورة حقيقيّة للمسيح المصلوب. وبعد سنة، أبرزت النذور الرهبانيّة، معلنةً بداية درب الاقتداء بالمسيح من خلال تكفيرات كثيرة ومعاناة كبيرة. كان كلّ شيء بالنسبة إليها يُفسَّر من خلال المحبّة، ما ينشر فيها صفاءً عميقًا. ومع تقدّم الوقت، أصبحت في سنّ السادسة والخمسين رئيسة الدير، وبقيت في هذا المنصب حتّى مماتها.

كتبت القديسة فيرونيكا جولياني يوميّاتها أيّ اختباراتها بخطّ يدها بأمر الطّاعة، وهي تتناول فترة أربعة وثلاثين عامًا من الحياة الحبيسة. وكانت كتابتها تنساب بعفويّة متواصلة، ولم تكن تجري أيّ تعديلات أو تصحيحات، كما لم تعتمد القواطع والفواصل أو التّوزيع للمادّة إلى فصول أو أجزاء، وفقًا لتصميم محدّد أو مسبق. وفي كلّ صفحة من صفحات كتاباتها، توكل فيرونيكا أحدًا ما إلى الربّ، مقيّمةً صلواتها التشفعيّة بتقديم ذاتها في كلّ ألم. ويتّسع قلبها لكل احتياجات الكنيسة المقدّسة، وهي تعيش بقلق في رغبة خلاص الكون والعالم. وتصرخ فيرونيكا: «أيّها الخطأة، أيّتها الخاطئات، تعالوا جميعكم جميعكنّ إلى قلب يسوع، تعالوا إلى غسل دمه الثمين. إنّه ينتظركم بذراعين مفتوحتين ليعانقكم».

لقد عاشت فيرونيكا المشاركة بالمحبّة المتألّمة ليسوع بطريقة عميقة، وهي على يقين تامّ بأنّ «التألّم الفرح» هو «مفتاح المحبّة».

وفي الانتقال إلى الأيّام الثلاثة والثلاثين التي تهيّأت فيها هذه القديسة للموت، وهي مرفقة بأوجاع لا توصف ولا تحتمل، كان كلّ ذلك بمثابة نزاع عميق ومتواصل حتّى 9 يوليو/تموز 1727 عندما تركت الحياة الأرضيّة لمعانقة عريسها السّماويّ. كما أنّ الأخوات ومُعرِّفها كانوا يرافقونها من دون أن يدركوا كيف أنّها لا تزال على قيد الحياة، تنظر بتوسّل إلى الأب المُعرِّف. وكانت قد أوصتهنّ بحفظ قانون الرّهبنة والطاعة للمحبّة الإلهيّة، ومحبّة بعضهنّ البعض. ومن ثمّ، جعلتهنّ يقبّلن المصلوب. أدرك الأب المُعرِّف في النّهاية، من خلال استنارة داخليّة، أنّ هذه النّفس التي عاشت باستمرار بالطاعة، لا تستطيع أن تموت إلّا بالطّاعة، فأعطاها البركة متأثّرًا، وانتقلت روحها الطاهرة إلى السماء على الفور! وكانت كلماتها الأخيرة: «الحبّ كشف عن ذاته! هذا هو سبب تألّمي. قولوا ذلك للجميع!»

قد يعتقد إنسان اليوم العقلانيّ أنّ كلّ هذه الظواهر الصوفيّة الفائقة الطبيعة المذكورة في يوميّات القديسة فيرونيكا ليست سوى توهّم. لذلك، نسألك أيّها المصلوب، يا من كشفت سرّ حبّك الإلهيّ للقدّيسة فيرونيكا، أن تنير بصيرتنا كي نلامس سرّ حبّك النّورانيّ عن يقين، فنفهم عندئذٍ عمق تجربة القدّيسة فيرونيكا المباركة، ولنهتف مع كنيستنا: «مبارك اسمك القدوس يا ربّ»، ولنشكرك على أنقياء القلوب الّذين عاشوا الألم بفرح عميق، فاستحقّوا مفتاح السماء!

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته