إسطنبول, الاثنين 24 نوفمبر، 2025
تحمل رحلة البابا لاوون الرابع عشر إلى تركيا ولبنان رمزيّةً تاريخيّة ودبلوماسيّة كبيرة. واختيار الحبر الرومانيّ ضريح مصطفى كمال أتاتورك محطّةً أولى لزيارته يُعيدنا مباشرةً إلى سيرة سلفه البابا القدّيس يوحنّا الثالث والعشرين الذي شكّل جسرًا ثقافيًّا وروحيًّا بين الشرق والغرب، على مثال إسطنبول (القسطنطينيّة)، المدينة التي وصل إليها قبل 90 عامًا.
في يناير/كانون الثاني 1935، وبعد أسابيع على تعيينه مفوّضًا رسوليًّا في كلّ من تركيا واليونان، وصل الأسقف أنجيلو رونكالي - البابا يوحنّا الثالث والعشرون لاحقًا - إلى محطّة قطار حيدر باشا في إسطنبول، آتيًا من بلغاريا، ليبدأ مهمّته في بلدٍ لم يكُن يقيم حينها أيّ علاقات دبلوماسيّة مع الفاتيكان. وبُعيد وصوله، اطّلع على أحوال الكنائس الكاثوليكيّة والرعايا في البلاد، من يسوعيّين وكبّوشيّين وموارنة وملكانيّين وسريان وغيرهم. وفي خطوة غير مسبوقة، التقى لاحقًا البطريرك المسكونيّ. أمّا على صعيد الأقلّيات الأخرى، فقد أدّى رونكالي دورًا مهمًّا في تسهيل فرار البولنديّين اليهود من بلادهم في أثناء الحرب العالمية الثانية.
واصَلَ رونكالي مهمّته الرسوليّة عشر سنوات، وعاصر في بداياتها أتاتورك نفسه. وبحسٍّ دبلوماسيّ نادر، فَهِمَ التحوّلات السياسيّة والاجتماعيّة في تركيا الحديثة، فاحترم قوانينها العلمانيّة - بما فيها قانون منع ارتداء ملابس دينيّة خارج دور العبادة - وحرص على التزامها. واجه رونكالي في بداياته تحدّيات كبيرة، إذ لم تكُن العلاقة بين السلطات التركيّة والكنيسة الكاثوليكيّة في أفضل أحوالها قبل وصوله، لكنّه نجح، سريعًا وببراعة، في بناء جسور الثقة مع الدولة الحديثة، وسرعان ما كسب تقديرها. وطوَّر علاقات ودّيّة، خصوصًا مع الدبلوماسيّ نعمان منمنجي أوغلو (وزير الخارجيّة التركيّ في ما بعد). وكان أوّل أسقف يستخدم اللغة التركيّة في القدّاس الإلهيّ، عندما قرأ جزءًا من الإنجيل بها في قدّاس عيد الميلاد العام 1935، معتبرًا أنّ تجاهل لغة البلاد هو عدم احترام لأهلها.


