في خضمّ هذا الهرج والمرج، تواجِه الإنسانيّة خطرًا سياسيًّا واجتماعيًّا جسيمًا، «فقد تُصبح الإنسانيّة المتحوّلة، عبر اقتراحها تخليق بشر مُعزَّزين، أداةً للتحكّم والمراقبة، حينما تلجأ جهاتٌ أو حكومات إلى استخدام شرائح الدماغ، لا لتعزيز القدرات المعرفيّة فحسب، لكن لمراقبة أفكار البشر ومشاعرهم وقراراتهم، وحينئذٍ قد يضمحلّ الخطّ الفاصل بين الاستقلال والتلاعب إلى درجةٍ لا تُشعِرك بتجاوز حرّيّتك»، بحسب توما.
وأضاف أنّه في حال استخدام تقنيّات علاجيّة لتطبيق أشكال من الرقابة العقليّة أو التحكّم السلوكيّ، فلن يكون الإنسان متأكِّدًا أنّه ما زال يمتلك أفكاره ويتحكّم بها، ما قد يُسبِّب حالةً من الاغتراب العقليّ، أي قطيعة مع الواقع البشريّ العاديّ، فيزداد عدد من يُعانون أزمات هويّة أو قلقًا أو عزلة بسبب تحوّلهم إلى ما هو أبعد من مجرّد بشر، وتتعقّد العلاقة بين إنسان عاديّ وآخَر مُعدَّل، وتبرز مخاف بشأن إمكان صمود التعاطف والتضامن والتفاهم المتبادل.
فصل عنصريّ
وأشار إلى دراسات حديثة لعلماء نفسٍ واجتماع تحذّر من تزايد صراعاتٍ اجتماعيّة وانقسامات ناجمة من عدم المساواة التكنولوجيّة، فوعود «ما بعد الإنسانيّة» ليست عالميّة وقد تتسبّب في ظهور طبقات جديدة، وأشكال جديدة من الفصل العنصريّ والتمييز البيولوجيّ، أشدّ قسوة ممّا عرفناه حتّى اليوم.
تبدو حقوق كثيرين في خطر إذا ما اقتصر نيل التحسينات، الصحّيّة خصوصًا، على أقلّيّة، لتُترَك غالبيّة السكّان متخلّفة عن الركب، محكومة بوجود طبيعيّ، بكلّ ما في ذلك من آلام وأمراض وقيود. وإذا ما نمت هذه النخبة واستقوت فقد تعيد صياغة قواعد المجتمع وفق مصالحها.
وراء الحماسة التكنولوجيّة تكمن هاوية أخلاقيّة وسياسيّة تهدّد الديمقراطيّة والمساواة والحرّيّة. ويُحيلنا توما إلى رفض الكنيسة استغلال البشر وانتقادها خطر تسليعهم وإضفاء الصفة المادّيّة عليهم واعتبارهم مجرّد أوعية أو منتجات قابلة لإعادة التصنيع والتشكيل فيُصبحون عرضة للاستغلال.