حصلت تلك الزيارة في ذروة الاحتلال السوريّ للبنان، وهي فترة اتّسمت بتوتّر سياسيّ وتقييد لحرّية التعبير. وقد أبدى مسؤولون سوريّون وقتذاك خشيتهم من أن تتحوّل زيارة البابا إلى شرارة احتجاجات واسعة، خصوصًا أنّ لبنانيّين مسيحيّين كثرًا قارنوا واقع لبنان تحت الاحتلال السوريّ بواقع بولندا تحت الاتحاد السوفياتيّ. في هذا الإطار، برَزَ أيضًا الدور الذي أدّاه يوحنّا بولس الثاني في نهضة المجتمع البولنديّ ومقاومته السلميّة. لذلك، أصرّت السلطات السوريّة على أن يكون طابع الزيارة رعويًّا غير سياسيّ. ومع ذلك، حملت الزيارة رمزًا كبيرًا يتجاوز القيود؛ إذ إنّ الحشود الهائلة، ووحدة الناس في الشوارع، والتأثّر العام، كلّها عوامل عكست الأهمّية الروحيّة والوطنيّة لحضور البابا في تلك اللحظة الحسّاسة.
ورغم انتهاء الوصاية السوريّة في العام 2005، يرى روبرت أنّ مسائل كثيرة لم تتغيَّر، موضحًا: «الحرب لا تنتهي بل تغيّر شكلها: من حرب عسكريّة، إلى انهيار ماليّ، إلى شلل سياسيّ». ويؤكّد أنّ زيارة يوحنّا بولس الثاني شكّلت دعمًا للمسيحيّين الذين يشعرون بأنّهم متروكون: «المسيحيّون منسيّون. كثيرون يدّعون مساعدتنا، لكن لا أحد يُفكّر بنا سوى البابا».
… وزيارة بنديكتوس السادس عشر
من جهته، زار البابا بنديكتوس السادس عشر لبنان بين 14 و16 سبتمبر/أيلول 2012، فيما كان الشرق الأوسط يشهد توتّرات متصاعدة والداخل اللبنانيّ يشعر بثقل الأزمة السوريّة.
يستعيد إيلي بارود، وهو مارونيّ كان يبلغ حينها 19 عامًا، تلك المرحلة الصعبة، قائلًا إنّ الزيارة كانت «نورًا ورجاء»، وإنّ ملايين اللبنانيّين انتظروها بلهفة. ويتذكّر لحظة لقائه البابا في 15 سبتمبر/أيلول 2012 في بلدة بزمّار، في خلال زيارته سينودس الأساقفة في البطريركيّة الكاثوليكيّة للأرمن. ويعتبر أنّ الزيارة تُمثّل بركة وتعزية، وتؤكِّد أنّ لبنان ومسيحيّيه ليسوا منسيّين.
ويُعدِّد إيلي المحطّات القاسية التي عاشها اللبنانيّون في السنوات الخمس الأخيرة: انفجار مرفأ بيروت، ثمّ جائحة كورونا، والانهيار الماليّ، وفقدان الناس ودائعهم المصرفيّة، وصولًا إلى القصف الإسرائيليّ المتواصل على لبنان. ويؤكّد أهمّية اللحظة المرتقبة، قائلًا: «عندما يصل البابا إلى بيروت، سيُشكّل ذلك رسالة إلى العالم مفادها أنّ جماعتنا التاريخيّة التي أنهكها الانهيار والحروب والهجرة، لا تزال موجودة... هذه اللحظات توحّد شعبنا، وتبطئ نزيف الهجرة، وترفع المعنويّات، وتُذكّر القوى الدوليّة والمحلّيّة بأنّ مسيحيّي لبنان ليسوا بقايا الماضي، بل هم مكوّن أصيل في هذا الوطن».