الهيمنة وتجاوز الضعف
لطالما سعى البشر إلى تجاوز نقاط ضعفهم. وتبرز في الأساطير والديانات والفلسفات رغبةٌ جامحة في الكمال والخلود وتجاوز حدود الطبيعة والسعي إلى الهيمنة على الكوكب. «يُمكننا أن نُعدّ (ما بعد الإنسانيّة) استمرارًا لهذه الفكرة وصيغتها الفائقة التطوّر، فهي تقول إنّ قيود الشيخوخة والمرض والإعاقة الجسديّة، أو العقليّة، يُمكن تجاوزها، بل القضاء عليها عبر قفزة تكنولوجيّة تُعيد تعريف البيولوجيا والعقل والمجتمع»، بحسب توما.
وأضاف: «حوَّل التقدّم العمليّ والذكاء الاصطناعيّ الخيالَ العلميّ واقعًا نعيشه ونلمسه، فلم تعد القفزة التكنولوجيّة مجرّد أدوات خارجيّة، بل باتت تحوّلًا داخليًّا وبيولوجيًّا ومعرفيًّا. وتجاوزت سرعة تقدّم النظريّة قدرة الحكومات وعلم الأخلاق واستيعاب الإنسان الحائر إنْ كان الخلود التكنولوجيّ حلمًا أم فخًّا؟».
أوضح توما أنّ «الجواب يكمن في جوهر معنى أن تكون إنسانًا قادرًا على استيعاب عاقبة عدم اقتصار ما يُقدّمه العِلم على مجرّد شفاء، بل تخليقه إنسانيّة جديدة ما بعد إنسانيّة، لا تتضمّن مجرّد وعد بقوّة غير محدودة، بل تحذيرًا أيضًا من خطر فقدان هويّتنا وقِيَمنا وحتى حرّيتنا، إزاء رؤيتها الماديّة الملوِّحة بقدرتها على حلّ مشكلات البشر كلّها، متجاهلةً بُعدهم الروحيّ».
لا يُعبّر الحمض النوويّ وحده عن وجود الإنسان، بل هو بالأحرى جوهرٌ وفكر وروح، وأيّ تعديلاتٍ مصطنعة ستهدّد هذا الجوهر، ما يعني أنّنا لسنا أمام تحدٍّ علميٍّ وحسب، بل أخلاقيّ وفلسفي وعاطفيّ عميق.
لذا «ترى الكنيسة الكاثوليكيّة أنّ تحويل البشر إلى كائنات خارقة القدرات يختزل الإنسان إلى مجرّد ماكينة قابلة للتحسين، عِوض اعتباره كيانًا يتّحد فيه الجسد والروح. وتُعلِّم أنّ كرامة الإنسان تنبع من الله الذي خلقه على صورته ومثاله، لا من قدراته الجسديّة أو المعرفيّة».