ملحم خلف عبر آسي مينا: «أتوجّه إلى ضمير الشعوب، اجعلوا من ملف المرفأ أولويّة الأولويّات»

مرفأ بيروت المنكوب بانفجار 4 أب 2020 مرفأ بيروت المنكوب بانفجار 4 أب 2020 | Provided by: Rashid Khreiss / Unsplash

نقدّم هذه المقابلة مع النائب في البرلمان اللبناني ملحم خلف، النقيب السّابق للمحامين في بيروت، ضمن سلسلة مقابلات عن الوضع العامّ في لبنان، تمهيدًا لرحلة البابا فرنسيس إلى لبنان. نسأل النائب ملحم خلف عن تطوّرات ملف انفجار مرفأ بيروت وما قد تساهم به زيارة البابا فرنسيس، في حال أتى إلى لبنان، على صعيد تحقيق العدالة في هذا الملفّ. هذا ونذكّر أنّ وزير السياحة اللبنانيّ، وليد نصّار، رئيس اللجنة الوطنيّة العليا للإعداد لزيارة البابا فرنسيس لبنان، التي كانت مقرّرة في حزيران الحالي، كان قد أعلن الشهر الفائت، تبلُّغ لبنان إرجاء زيارة البابا لأسبابٍ صحيّة، نافيًا أن تكون قد أُلغيت الزيارة. كما أنّ الكاردينال ماريو غريش، أمين عام مجمع الأساقفة في الفاتيكان، الذي يزور لبنان أكّد في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع أنّ زيارة البابا أُرجئت ولم تُلغَ.  

 

النائب ملحم خلف. Provided by: Melhem Khalaf Facebook page / @MelhemEKhalaf
النائب ملحم خلف. Provided by: Melhem Khalaf Facebook page / @MelhemEKhalaf

حضرة النائب ملحم خلف، شكرًا على هذه المقابلة. حضرتك، عندما كنت نقيبًا للمحامين في بيروت، قامت النقابة بتقديم شكاوى قضائيّة باسم الضحايا والمتضرّرين من انفجار مرفأ بيروت الذي حصل في 4 آب 2020. حوالي عامين مرّا على انفجار مرفأ بيروت، أين أصبحت التحقيقات اليوم؟ وأين أصبحنا من معرفة حقيقة انفجار المرفأ؟

أوّلًا أشكرك على هذا السؤال لأنّه سؤال أساسيّ. من يعلم ما الفاجعة التي حلّت في بيروت وفي لبنان من خلال تفجير 4 آب، لا يمكن أن ينذهل. فإنّ الأمور لن تكون بمسار طبيعي إلّا اذا تحقّقت العدالة. ولا يمكن أن تكون العدالة محقّقة إلّا من خلال القضاء. ولا إمكانيّة للقضاء أن يستمرّ وأن يقوم برسالته ما لم يكن هناك احترام لقيام السّلطة القضائيّة المستقلّة. لسوء الحظّ، نحن في بلد قد تكون المساءلة فيه دائمًا خارج المنظومة أو خارج المفهوم الأساسي للدولة. ثقافة اللاعقاب وثقافة اللامساءلة أنتجت هذه العرقلة الحاليّة، التي يمكن أن نقول أنّها تدوم منذ ستّة أشهر. ماذا جرى؟ وما هي الأمور التي عرقلت هذا المسار القضائيّ؟ هناك أسباب داخليّة وهناك أسباب خارجيّة.  

في الأسباب الداخليّة،

السبب الأوّل: زجّوا ملف تفجير المرفأ ضمن ما يُسمّى التجاذب السياسي وأوقعوه في وجهات نظر، بدل أن ينصاعوا جميعًا إلى القضاء ويحترموا القضاء ويحترموا المسار القضائيّ أيًّا تكن وجهات السياسيّين. فعطّلوا المقاربة القضائيّة المستقلّة.

السبب الثاني: هو عدم قيام مقام النيابة العامّة بدورها. لأنّ عندما يكون هناك من جريمة، من يقوم بإدارة الملفّ، من يتحمّل الملفّ، من يصوّب الملفّ، من يقيم الادّعاء هو مقام النيابة العامّة. وما نشهده هو عكس ذلك كليًّا. لم نرى النيابة العامّة، فيما خصّ موضوع تفجير المرفأ، تقوم بهذا الدور على ما هو مفترض أن تقوم به.

السبب الثالث: الضابطة العدليّة، التي تقوم بالتحقيقات، رؤساؤها ملاحقون وهذا ما يعطّل المقاربة الموضوعيّة في الملفّ وله أثر.

السبب الرابع: التعسّف باستعمال الحقّ. هناك 21 شكوى إمّا بنقل الدعوى للارتياب المشروع وإمّا بمساءلة الدولة. هناك عدد من الدعاوى، كطلب ردّ قاضي، وبعد طلب ردّه، تنظر محكمة في طلب ردّه. وبعد طلب الردّ، يطلبون ردّ المحكمة التي تنظر في طلب الردّ. وبالتالي العرقلة أصبحت فقط للعرقلة. وهذ تعسّف في استخدام الحقّ. من يتقدّم بـ21 طلب ردّ؟ هل هذا منطقي؟ أم هذه وسائل، تحت ستار استعمال الحقّ، تُستخدم بتعسّف؟

في الأسباب الخارجيّة،

السبب الأوّل: هنالك عدم تعاون من الدول لإتمام التحقيقات بهذا التفجير. مثلاً، توجّهت عندما كنت نقيبًا للمحامين بعثت ثلاث رسائل إلى حضرة الأمين العام للأمم المتّحدة طالبًا مساعدة القضاء للاستحصال أقلّه على صور الأقمار الاصطناعيّة. حضرة الأمين العام، الذي حضر إلى بيروت وقبل أن يحضر بيوم أو يومين، أرسل كتابًا، بعد سكوت على ما يزيد على سنة ونيّف، يقول أنّ ليس له الإمكانيّة على ذلك، غير مقدّمًا الإجابة. هذا، بحدّ ذاته، يُظهر عدم التعاون الدولي.

السبب الثاني: هناك أيضًا 16 استنابة قضائيّة. وفي الاستنابة القضائيّة، عندما يكون هناك من ضمن التحقيق أيّ مشتبه به أو أيّ مدّعى عليه في أي بلد من العالم، يوجّه المحقّق العدلي الإستنابات القضائيّة، لتقوم الأجهزة القضائيّة في ذاك البلد بالتعاون حول هذا الموضوع. من أصل 16 استنابة أُجيبَ على استنابتين فقط. هل هذا منطقي؟

السبب الثالث: نحن أصّرينا أن يكون القضاء اللبناني، والقضاء الوطني، هو من يمسك بهذا الملفّ. ولم نقبل يومًا بأن يكون هذا القضاء منكفئًا عن موضوع بهذا الأهميّة. لأنّنا نعتقد أنّ القضاء هو أساس مستقبل الأوطان. إنّما طلبنا مساعدة هذا القضاء بما يسمّى التحقيقات الأجنبيّة. فحضر إلى لبنان عدد من الخبراء الدوليّين. من بينهم: الأوّل هو الـ"أف. بي. أي" الذي وضع بعد حوالي شهر ونصف الشهر، تقريرًا أودعه للمحقّق العدلي، تبيّن أنّه يسرد عددًا من النتائج في لائحة قائمة وهذه اللائحة تتضمّن عددًا من النتائج التي يستخلصها التقرير. إنّما في نهاية التقرير يظهر القول: "إنّ جميع هذه النتائج مُسندة إلى معلومة استقيناها من الأجهزة الأمنيّة اللبنانيّة". مما يعني أنّهم لم يقوموا بأيّ عمل بذاتيّهم، إنّما اكتفوا بأخذ المعلومات من الأجهزة الأمنيّة اللبنانيّة. هناك أيضًا الخبراء البريطانيّين من سكوتلنديارد. حضر البريطانيّون إلى لبنان وذهبوا إلى المرفأ ولم يضعوا أي تقرير لحينه. هناك الخبراء الفرنسيّين، أتى 31 خبير فرنسي إلى لبنان. وبينهم خبراء أخصّائيّين، كانوا قد اؤتمنوا على خبرة انفجار حصل في تولوز بالمواد عينها. سبعة أشخاص من هؤلاء الخبراء قاموا بنفس الخبرة على نفس التفجيرات. أودعوا في ملفّ التفجير ثلاثة تقارير تمهيديّة. هذه التقارير هي تمهيديّة ولم نصل لحينه إلى التقرير النهائي وهذا الأمر بذاتيّه أيضًا مُلفت.

كلّ هذا لن يثنينا عن متابعة الملفّ ولن يثنينا عن المطالبة بالعدالة. ولن يثنينا عن المطالبة بحقوق أهالي الضحايا والذين جُرحوا، الذين هم آلاف، ولن يثنينا عن مقاربة هذا الملفّ. وذلك ليس فقط للأضرار التي لحقت بهؤلاء، فإن لن يتمّ قيام العدالة من خلال هذا الملفّ، سيسقط الهيكل! يجب أن نعي أنّ هذا الأمر خطر على مستقبل لبنان، لأنّ اسقاط القضاء واسقاط هذا الدور، بهذه المرحلة بالذات، هو إمعان في اسقاط الدولة وفي اسقاط الديمقراطيّة في لبنان ولن نقبل بذلك!

 

ذكرت حضرتك أنّ هنالك عراقيل داخليّة وخارجيّة. وكانت أعلنت تقارير صحفيّة وإعلاميّة وتحقيقات أنّ هنالك أشخاص ومؤسّسات معنيّة بشحنة نيترات الأمونيوم، التي انفجرت في المرفأ، يسكنون خارج لبنان، من الموزامبيق إلى جورجيا فلندن، كيف سيكون بإمكان القضاء اللبناني محاسبة هؤلاء؟ ألم يكن من الأفضل الذهاب إلى تحقيقٍ ومحكمةٍ دوليّة؟ هذا مع العلم أنّ الشرطة التشيلية، أوقفت منذ عدّة أسابيع المواطن البرتغالي خورخي موريرا، المطلوب بموجب مذكرة إنتربول على خلفية ضلوعه في عملية طلب شحنة نيترات الأمونيوم إلى الموزمبيق عام 2013 وأعادته إلى أسبانيا، البلد التي انطلقت رحلته منها، وهي الشحنة التي أُفرِغَت في مرفأ بيروت، قبل عدّة سنوات من انفجارها في 4 آب 2020.

المزيد

أجبت على هذا السؤال. لدينا خيار واضح جدًّا هو خيار القضاء الوطني. نحن لنا ثقة بالقضاء الوطني. وهذا القضاء الوطني يجب رفع يدّ السياسيّين عنه، كي يتمكّن بكلّ طمأنينة أن يُصدر قراراته. وهو المعني المباشر بالبتّ بهذا الملف. كيف يمكن للقضاء أن يقارب الملف في حين أنّ هناك بعض الأشخاص الأجانب، غير اللبنانيّين، المتواجدين في غير دول؟ عبر الإستنابات القضائيّة، وهذه الإستنابات واضحة للعيان، كما أسردت مسبقًا. فالقاضي له حقّ بأن يقوم بإستنابات قضائيّة، وهذا التعاون القضائي يكون بين الدول وبشكل جدًّا طبيعي. العرقلة اليوم هي من الداخل. كلّ ما يقومون به لشلّ القضاء هو الذي يعيق التحقيق مع موريرا مثلًا. موريرا الذي صدر بحقّه مذكّرة توقيف من قبل القاضي اللبناني والتي وصلت عبر الانتربول، تبيّن أنّ لها الأثر المباشر. عندما يُصدر قاضي التحقيق مذكّرة والانتربول يُنفّذ، هناك إمكانيّة لملاحقة أي شخص في أي بلد بالعالم. المُهمّ أن يسمحوا للقاضي بأن يقوم بهذا التحقيق، خاصّةً أنّ شخص مثل موريرا قد أوقف. لكن اليوم ليس هناك من قضاء، فالقضاء مُعطّل. هذا أمر غريب عجيب!

 

اذًا أصبحنا اليوم مؤكّدين أنّ هناك نوايا لتعطيل القضاء داخليًّا. لكن هناك اليوم العديد من كبار رجال السياسة اللبنانيّين المتّهمين بملفّ انفجار المرفأ. ذُكرت أسماء رئيس الحكومة السّابق حسّان دياب والوزراء علي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس ونهاد المشنوق واللواء عبّاس إبراهيم واللواء طوني صليبا. هل سيتمكّن القضاء من محاسبة هؤلاء بعد جميع محاولات التهرّب التي قاموا بها في العامين الأخيرين؟ هل سيصل القضاء لمحاسبة هؤلاء؟

أنريد بلد أم نريد مزرعة؟ ثقافة اللامساءلة لم تعد مقبولة وثقافة اللاعقاب غير مقبولة. القضاء فوق الجميع، وإلّا نكون شرّعنا شريعة الغاب داخل البلد. الأمر يعود لمن له القوّة. هذا المفهوم الموجود في بلدنا هو خاطئ وهو بأنّ القوّة هي فقط للعنف. القوّة هي في الحقّ وفي القانون وفي العدالة. القوّة ليست في العنف ولمن له القبضة الأقوى. من هذه الزاوية، يجب أن نفهم كيف نقارب الدولة والدولة الديمقراطيّة التي تقوم على العدالة. لا شيء أهمّ من العدالة في الأوطان. وإن لم يكن هناك من عدالة ولم يكن هنالك من قضاء، لن يكون هناك مستقبل ولن يكون هناك ديمقراطيّة.

إن كان هناك من أمر يجب أن أتوجّه به من خلالك، هو أن أتوجّه ليس إلى الدول. الدول ليس هناك من ذات أهميّة لما نقوم به. الدول عندها أولويّة مصالح، فلن أتوجّه للدول. أتوجّه إلى ضمير الشعوب، هذه الشعوب التي أقرّت أولويّة حقوق الناس. هذه الشعوب التي أقرّت أنّ لا إمكانيّة للطمأنينة في العالم إلّا من خلال القضاء والعدالة. هذه الشعوب التي أقرّت بشرعة حقوق الإنسان وبالمواثيق الدوليّة وبكلّ هذه القِيَم. أتوجّه إلى ضمير هذه الشعوب لمطالبتها بأن تضغط على حكوماتها التي لها مصالح أساسيّة لأن تعود إلى ضميرها ولأن تسمح بأن يكون هذا التفجير والعدالة في لبنان هي أولويّة الأولويّات. هذا ما نشدو إليه وما نطمح إليه وما نحلم به بوطن يجب أن يكون حجر زاوية به هو القضاء المستقلّ.

 

النائب ملحم خلف. Provided by: Melhem Khalaf Facebook page - @MelhemEKhalaf
النائب ملحم خلف. Provided by: Melhem Khalaf Facebook page - @MelhemEKhalaf

(تستمر القصة أدناه)

تكلّمتَ عن الشعوب. قد حاولت السلطة السياسيّة، كما تكلّمنا، الضغط الإعلامي والقانوني أوّلًا على القضاة المُحقّقين في ملف المرفأ بدايةً مع القاضي فادي صوّان وبعدها القاضي طارق البيطار. وفي الوقت عينه، شرح أحد أهالي الضحايا في مقابلة إعلاميّة: أنّ هناك حوالي ثمانين من ضحايا المرفأ من الأجانب، وبالتالي ما من أهالي لهم يضغطون في الداخل اللبناني لتحقيق العدالة؛ هناك أيضًا حوالي 30 عائلة من أهالي الضحايا الذين هاجروا؛ أمّا الذين بقوا في لبنان، انقسم جزء منهم بسبب وجودهم في أماكن سكنيّة معيّنة في لبنان. هل سيفقد الرأي العام اللبناني، الشعب اللبناني، الأمل بالوصول إلى العدالة وبالتالي لن يتابع القضيّة لأنّه قد يستسلم للواقع؟

ما هذا الكلام؟ من أين هذا المنطق؟ هذه الفاجعة ضربت نصف البلد، سقّطت نصف العاصمة بوجع كبير ونسأل إن كان هنالك ضحايا وجرحى أجانب؟ هؤلاء ناس. الذين ماتوا تحت التراب، أيكونوا هم المسؤولين؟ هذا منطق غير سليم. علينا أن نفهم أنّ العدالة ليست موضوع من هو قائم. نحن، بالنهاية، مؤتمنين على 1400 ملفّ، والـ 1400 ملفّ لم يتغيّروا، هم مقدّمون أمام المحقّق العدليّ.

 

ما رأيك بقرار الحكومة اللبنانيّة بهدم صوامع حبوب مرفأ بيروت المتضرّرة؟ هل هنالك حاجة قانونيّة تقتضي بعدم هدم هذه الصوامع؟

سأجيب على مستوين مهمّين. المستوى الأوّل معنوي والمستوى الثاني قانوني.

على المستوى المعنوي، يعتبر أهالي الضحايا أنّ أشلاء أهلهم لا زالت موجودة في هذا الموقع. أيّ تطاول على هذا الموقع هي كحفر قبور هؤلاء الضحايا. التطاول على أشلاء هؤلاء الضحايا هو أمر يهتزّ له الجبين. عندما لا تأخذ الحكومة بعين الاعتبار أنّ أشلاء أولاده أهالي الضحايا التي لم يستطيعوا ردّها لهم ولا حتّى دفنهم، موجودة على هذه الأهراءات، نفهم هذا المنع وهذه المطالبة بمنع هدم هذه الأهراءات أو ما تبقّى منها. هذا أمر كبير جدًّا. كأنّنا نمسّ مقابرهم. هذا أمر يجب التنبّه له.

الأمر الثاني، يجب أن نقف على خاطر هؤلاء الناس. فهم يعتبرون أنّ ضحاياهم لم يأخذوا حقّهم حتّى اليوم. هذا أمر لا يمكننا أن نبعد عيوننا عنه ونقول: "نريد هدم هذه الأهراءات". هذا الأمر كبير وعميق، كي لا نقبل بهدم هذه الأهراءات.

الأمر الثالث، نستطيع المتابعة والقول، إذا كانت الحكومة تقول إنّها مهتمّة بالتفكير بمستقبل المرفأ، فلا أحد يعارض ذلك. لكن لا يجب أن يتمّ ذلك على حساب هذه المشاعر. أمر آخر، ألا يجب أن يفكّروا بشكل أبعد. أنت تعلم أنّك تجد في مدينة هيروشيما حتّى اليوم قبّة تمّ الحفاظ عليها للذاكرة العالميّة والذاكرة البشريّة. ضمن نفس المفهوم، يجب إبقاء هذا المعلم للذاكرة، لذاكرة أجيالنا القادمة، على ألّا يُمحى الوجع. جريمة بهذا الكُبر لا يمكن أن تمحى ذاكرتها مع كلّ ما نتج عنها. على هذا أن يبقى معلم لكلّ إنسان يريد أن يكون في المستقبل مسؤول. يجب أن تكون هذه الصورة وهذه الذاكرة دائمًا أمامه.

أمّا على المستوى القانوني، يمكن أن نتناقش بأنّ هذا مسرح جريمة. فإن قال قاضي التحقيق بأنّ ليس هناك حاجة بعد لمسرح الجريمة لأي أمر مرتبط بالتحقيق، نكون قد نزعنا هذا الاعتبار. لكن هذا مسرح جريمة، لا يمكن محو أدلته وجرفه قبل انتهاء التحقيق. لكن الأسباب الأولى التي ذكرتها هي أسباب أساسيّة ويجب التوقّف عندها.

 

مع العلم أنّ وزير السياحة اللبنانيّ وليد نصّار، أعلن الشهر الفائت، تبلُّغ لبنان إرجاء زيارة البابا للبنان، التي كانت مقرّرة في حزيران المقبل، لأسبابٍ صحيّة، نافيًا أن تكون قد أُلغيت الزيارة، هنالك بعض الأشخاص الذين ينتظرون من البابا زيارة مرفأ بيروت والمنطقة المنكوبة من الانفجار، في حال أتى إلى لبنان. برأي حضرتك، ما الذي يمكن أن تضيفه زيارة البابا أو تغيّره في المشهد اللبنانيّ العام اليوم وربّما أيضًا في مجريات التحقيقات ومحاسبة المسؤولين عن انفجار المرفأ؟ 

يسير العالم اليوم رأسًا على عقب. يحتاج العالم اليوم إلى قِيَم. ويمثّل الفاتيكان مرجعيّة قِيَميّة في العالم. وهذه المرجعيّة القِيَميّة عندما تحضر إلى لبنان، تحضر بقِيَمها. قِيَمها في الإرشاد الرسولي الذي أصدره البابا القدّيس يوحنّا بولس الثاني. فعندما أعطى البابا رسالة للبنان، أعطى معنى لحياة لبنان وكينونته ووجدانه. وهذه الرسالة هي خيار حياة للبنان. فما هي هذه الرسالة؟ هي العيش معًا. وعلى لبنان أن يُنجِح هذا النموذج ليتمّم هذه القِيَم. نجح لبنان على المستوى المجتمعي إنّما سقط في السياسة لأنّه وضع المصالح أمام الإنسان. فيما أنّ المجتمع قد وضع الإنسان أمام المصالح لذلك نجح. وعندما يأتي البابا فرنسيس اليوم إلى لبنان، ونتمنّى أن يأتي، يكون يعطي زخم للقِيَم وخيارات القِيَم في لبنان. يكون يعطي زخم للبنان النموذج، نموذج العيش معًا، الضروري للبشريّة. يأتي ليقول أنّه يحسّ بوجع اللبنانيّين ويحسّ بأيّ خطر وجودي على هذه الرسالة اليوم. يقول لا تفكّروا أنّ العالم كلّه قد نسيكم. في مكان ما، هذه القِيَم لم تنساكم. ومن هذه الناحية، زيارة البابا تُعطي ثقة وأمل للناس.  

ومن هذه الناحية، إن زار البابا فرنسيس المرفأ، يكون للزيارة رمزيّة كبيرة جدًّا يقول فيها أنّه لا يجب تخطّي العدالة. لا إمكانيّة لإبقاء الظلم والتكلّم عن الطمأنينة. أنظر إلى ما يحصل في فلسطين. لفلسطين عنوان واحد. أعطوا العدالة لفلسطين يحلّ السّلام في العالم. أعطوا العدالة لأهالي الضحايا، لمرفأ بيروت، تستطيعون العيش بطمأنينة. ما هو خارج هذا الإطار هو غير صحيح. 

أعتقد أنّ البابا آتٍ. وأعلم أنّنا نعذّبه كثيرًا، ربّما لأنّنا لا نسمع للإرشاد الرسولي للبنان والإرشاد الرسولي للشرق الأوسط او لنداء الأُخوّة الذي قام به في مصر أو لنداء الأخوّة الذي أكّد عليه في العراق. كلّ هذه الأمور تُظهر كما لو أنّنا لم نسمع كيف أنّ لبنان ضرورة للعالم. هذا التنوّع ضمن الوحدة، هي الصورة التي علينا التمسّك فيها وإنجاحها والقول أنّ لبنان النموذج هو الأساس الذي نريد بناءه لكي يصير عندنا البلد الذي نحلم به والذي يحلى العيش فيه.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته