أسدِلت الستارة على يوبيل الشبيبة، ليشقّ ما يقارب المليون حاجّ طريق العودة إلى أوطانهم، حاملين معهم ما لا تحويه الحقائب: ذكريات، ولقاءات، ولحظات سترافقهم مدى العمر.
هتفوا ورقصوا ورفعوا الأعلام وصلّوا، لكنّ درب الحجّ ليس مجرّد احتفال. ليلة السبت، بعد السهرة والصلاة مع البابا لاوون الرابع عشر، افترش الآلاف أرض تور فيرغاتا-روما، وسهروا في انتظار قدّاس الأحد الختامي.
حتّى قبل الوصول، شكّلت الرحلة إلى تور فيرغاتا تحدّيًا حقيقيًّا للحجّاج الشباب. واضطرّ كثيرون إلى السير كيلومترات تحت شمس روما الحارقة للوصول إلى الساحة. لكنّهم فعلوها بابتسامات عريضة، وأناشيد، وأعلام ترفرف، لأنّهم كانوا يعلمون أنّهم يسيرون نحو لحظة تاريخيّة.
زوشا تشوباك. مصدر الصورة: زوشا تشوباك/آسي مينا
لكنّ ما أعقب ذلك شكّل التحدّي الحقيقي للحجّ، إذ إنّ النوم مع ما يقارب المليون شابّ وشابّة في حقل لم يكن مريحًا. روت زوشا تشوباك، شابّة بولنديّة في الثانية والعشرين من عمرها، لـ«آسي مينا» سبب قرارها قضاء الليل هناك: «أردت أن أعيش تجربة تور فيرغاتا بتفاصيلها كافة. أردت أن تكون لي قصّة أرويها عن ليلة غير مريحة. أردت أن أسهر وأتحدّث إلى أشخاص لا أعرفهم، وأن أستيقظ صباحًا لأكون حاضرة منذ اللحظة الأولى في أكبر قدّاس هذا العام».
وشكّلت الأمطار في يوليو/تموز، وهو أمر نادر جدًّا في روما، صدمة للحجّاج. وتقول زوشا: «عندما بدأ المطر يهطل، لم نجد حلًا سوى وضع غطاء بلاستيكي كبير فوق رؤوسنا. كنت قلقة من أن يستمرّ المطر طويلًا، لكن لحسن الحظّ توقّف بسرعة».
من أمسية الصلاة في تور فيرغاتا، روما. مصدر الصورة: زوشا تشوباك/آسي مينا
وعلى الرغم من التعب المتراكم، فإنّ كثيرين لم يناموا سوى فترة قليلة. أخبرت زوشا: «نمت ساعتين تقريبًا. كانت المشاعر قوية لدرجة أنّني لم أشعر بتأثير السهر. أمضيت وأصدقائي الليل نتجوّل في الموقع حتى ساعات الفجر، حيث كان الناس يرقصون ويغنّون ويصلّون ويعزفون على آلات موسيقيّة، ويهتفون بلغاتهم الأمّ. لم يكن أحد يريد النوم. أعتقد أنّ الجميع شعر بأنّه حيّ بشكلٍ عميق في تلك الليلة».
أمّا لِمي فيدوتي، شابّ نيجيري، فأمضى الليلة في حقل تور فيرغاتا أيضًا، ولم ينَم بدوره كثيرًا. وأكّد أنّ أكثر ما أدهشه لحظة الاستيقاظ ورؤية البابا يصل بالمروحيّة صباح الأحد. لكنّ أكثر ما لمسه هو مشهد الكنيسة الجامعة: «رأيت شبابًا من أنحاء العالم. صلينا جميعًا معًا. كان ذلك جميلًا جدًّا».
لِمي مصوّر فوتوغرافي وكان يحمل الكاميرا طوال الوقت، يلتقط اللحظات والانفعالات. لكنّه يعترف: «لا توجد عدسة يمكن أن تلتقط القلوب المملوءة بفرح الربّ».
شبّان يرتدون قمصانًا كُتِبت عليها عبارات عن الرجاء، وفود من الشابات حضرت لتلاوة الصلوات، مؤمنون زيّن وجوههم فرح المسيح… في منطقة تور فيرغاتا-روما اجتمع مساء أمس نحو مليون شاب وشابة في أمسية صلاة مع البابا لاوون الرابع عشر.
«اهتفي لله يا جميع الأرض، اخدموا الربّ بفرح. هللويا، هللويا، بفرح!»، ترنيمة ردّدتها جوقة أبرشيّة روما مع دخول البابا لاوون الرابع عشر منطقة تور فيرغاتا-روما لتحيّة مئات آلاف الشبان والشابات الذين باتوا في المنطقة بانتظار قدّاس صباح اليوم.
في قلب روما، حيث تتدفّق حشود الشباب من أصقاع الأرض للمشاركة في اليوبيل المخصّص لهم، لا يمكن للأعلام اللبنانيّة أن تغيب عن المشهد، إذ ترفرف على أكتاف الحجّاج، وتعلو معها الأناشيد والصلوات، كأنّها شهادة حيّة على إيمان لا تضعفه الأزمات، وحضور لا يغيب في المواعيد الكبرى. فلبنان الذي أعطى الكنيسة قدّيسين وشهداء، لا يتخلّف عن درب الرجاء، بل يسير دائمًا في طليعته.