تطوّرات متلاحقة تُباغِت مسيحيّي الشرق وتعمِّق معاناتهم

يبقى رجاء المسيحيّين الوطيد وإيمانهم الراسخ سندًا وحافزًا للثبات في أرضهم يبقى رجاء المسيحيّين الوطيد وإيمانهم الراسخ سندًا وحافزًا للثبات في أرضهم | مصدر الصورة: عون الكنيسة المتألمة

تتسارع وتيرة الأحداث في الشرق الأوسط على نحوٍ مُقلِق، الأمر الذي يُلقي ظلالًا قاتمة على واقع مسيحيّي الشرق ويُعمِّق معاناتهم. ومع تصاعد الصراعات وتكرار الأزمات، تزداد الخشية من تبعات ذلك كلِّه على هذا المكوّن الأصيل، وتبقى التساؤلات بشأن مستقبله وسُبل صموده في أرضه التاريخيّة تبحث عن إجابة.

حفلت الأيّام القليلة الماضية بوقائع عدّة زادت المشهد العام تعقيدًا ووضعت مسيحيّي الشرق أمام تحدّيات جديدة. فقد شهدت الأراضي المقدّسة تصعيدًا غير مسبوق، حين استهدف قصفٌ إسرائيليّ كنيسة العائلة المقدّسة للّاتين في غزّة أمس الأوّل. وأوقع القصف ثلاثة شهداء مدنيّين فضلًا عن إصابة عشراتٍ آخرين، بينهم كاهن الرعيّة.

جانب من الاستهداف الإسرائيليّ لكنيسة العائلة المقدّسة للاتين في غزّة. مصدر الصورة: كاريتاس القدس
جانب من الاستهداف الإسرائيليّ لكنيسة العائلة المقدّسة للاتين في غزّة. مصدر الصورة: كاريتاس القدس

لا يخلو هذا الاستهداف من تداعيات قاسية على الوجود المسيحيّ في القطاع، فهذه الكنيسة تُعدّ الملاذ المسيحيّ الأخير في غزّة، إذ لجأت إليها عشرات العائلات منذ اندلاع الحرب في أكتوبر/تشرين الأوّل 2023. وسبق وتعرّضت لأضرار جزئيّة في يوليو/تمّوز 2024 بعد قصف محيطها، ما أثار حينها استنكار رؤساء الكنائس في الأراضي المقدّسة.

بطريرك القدس للاتين، الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، في بيت لحم في 24 ديسمبر/كانون الثاني 2024. مصدر الصورة: تلفزيون فلسطين
بطريرك القدس للاتين، الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، في بيت لحم في 24 ديسمبر/كانون الثاني 2024. مصدر الصورة: تلفزيون فلسطين

انتهاك الإرث المسيحيّ في العراق

من جانبهم، يُواجه مسيحيّو العراق مصاعب جديدة من نوعٍ آخَر، تضاف إلى سلسلة مآسي الاضطهادات والتهجير التي عاشوها بعد 2003. إذ رفَعَ البطريرك الكلدانيّ الكاردينال لويس روفائيل ساكو الصوت، الثلاثاء الماضي، مطالبًا الحكومة العراقيّة بحماية الإرث المسيحيّ العراقي المهدَّد بالانتهاك، بحسب معلومات بلغت  البطريركيّة الكلدانيّة من مصادر وصفتها بالموثوقة.

مقبرة أم خشم في النجف العراقيّة. مصدر الصورة: آسي مينا
مقبرة أم خشم في النجف العراقيّة. مصدر الصورة: آسي مينا

واستغاث ساكو برئيس الوزراء العراقيّ محمّد شيّاع السودانيّ، مطالبًا بدرء خطر الانتهاك عن مواقع تاريخيّة مسيحيّة مقدّسة في محافظة النجف تعود إلى القرن السادس الميلاديّ، تضمّ «مقبرة المناذرة» حيث قبور «بطاركة عظام» لكنيسة المشرق، و«مقبرة أم خشم» التي يعود تاريخها إلى زمن مملكة الحيرة، والحيلولة دون منحها لمشاريع استثماريّة.

مقبرة أم خشم في النجف العراقيّة. مصدر الصورة: آسي مينا
مقبرة أم خشم في النجف العراقيّة. مصدر الصورة: آسي مينا

استهداف كنيستَين في سوريا

على صعيد متّصل، لم تكد مأساة تفجير كنيسة مار إلياس تغيب عن واجهة الأحداث في خضمّ ما يشهده بعض المناطق السوريّة من نزاعات متجدّدة، حتى عاد استهداف الكنائس في البلاد إلى الصدارة من جديد.

من آثار الهجوم على كنيسة مار إلياس في الدويلعة-دمشق، سوريا. مصدر الصورة: محمد الرفاعي/آسي مينا
من آثار الهجوم على كنيسة مار إلياس في الدويلعة-دمشق، سوريا. مصدر الصورة: محمد الرفاعي/آسي مينا

وبرزت حادثة تخريبٍ جديدة طالت كنيسة مار ميخائيل في قرية الصورة الكبرى في ريف محافظة السويداء، الثلاثاء الماضي، على يد مجموعة متطرّفة. وتمثّلت في تحطيم الرموز المسيحيّة، والعبث بالهيكل ومحتوياته الطقسيّة، وتمزيق غطائه القماشيّ. وأُضرِمت النيران في السقف والجدران، ما أدّى إلى تفحّم الأيقونات العلويّة والصليب المركزيّ أمام الهيكل.

آثار التخريب في كنيسة مار ميخائيل في ريف السويداء. مصدر الصورة: المرصد السوريّ لحقوق الإنسان
آثار التخريب في كنيسة مار ميخائيل في ريف السويداء. مصدر الصورة: المرصد السوريّ لحقوق الإنسان

سبقت هذه الحادثة محاولةٌ فاشلة لتفجير كنيسة مار إلياس المارونيّة، في قرية الخريبات-ريف طرطوس الشرقيّ، أحبطتها الأجهزة الأمنيّة بتعاون الأهالي، وأوقفت ثلاثة أشخاص كانوا يخطّطون لتفجير سيّارة مفخّخة تحتوي قرابة 20 كيلوغرامًا من المتفجّرات.

كنيسة مار إلياس المارونيّة في الخريبات-طرطوس. مصدر الصورة: صفحة شبيبة أبرشيّة اللاذقيّة المارونيّة في فيسبوك
كنيسة مار إلياس المارونيّة في الخريبات-طرطوس. مصدر الصورة: صفحة شبيبة أبرشيّة اللاذقيّة المارونيّة في فيسبوك

المزيد

مأساة متفاقمة

وكان المطران يعقوب مراد، راعي أبرشيّة حمص وحماة والنبك وتوابعها للسريان الكاثوليك، أعرب عن قلقه البالغ إزاء الوضع المأسويّ المتفاقم في سوريا على غير صعيد، داعيًا إلى إنقاذ مستقبل الوجود المسيحيّ فيها.

وقال في خلال حديثه مع وكالة الأنباء الفاتيكانيّة (فيدس) إنّ «سوريا اليوم انتهت كدولة»، مستدرِكًا برجاء المؤمن المسيحيّ: «يسوع يريد أن تبقى كنيسته حاضرة في سوريا، إذ لا يمكن أن تكون مشيئة الله إفراغ بلادنا من مسيحيّيها».

رغم ما يعيشه مسيحيّو الشرق من تحدّيات متجدّدة تُضاعِف كلّ يومٍ هشاشة واقعهم المثقل بتبعات أزمات بلدانهم السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة، يبقى رجاؤهم الوطيد وإيمانهم الراسخ سندًا وحافزًا للثبات في أرض الآباء والأجداد.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته