جدري القرود… عقاب إلهي أم رسالة جديدة إلى البشريّة؟

إنسان حزين-صورة جدري القرود… عقاب إلهي أم رسالة جديدة إلى البشريّة؟ | Provided by: Pixabay

وسط انتشار وباء جدري القرود في العالم، قد يقع الإنسان فريسة مخاوفه، وتغزو كيانه أسئلة عديدة: هل اقتربت البشريّة من نهاية الأزمنة؟ من المسؤول عن انتشار الأوبئة؟ لماذا يسمح الله بها؟ هل الوباء عقاب أم تأديب؟ كيف تتجلّى رحمة الله في زمن الأوبئة؟

إليكم الأجوبة على ضوء الكتاب المقدّس في عهدَيْه القديم والجديد في مقابلة مع الخوري جوزف سلّوم.

بين الأوبئة والعلامات العظيمة

في حديث خاصّ لـ"آسي مينا"، تناول خادم رعيّة مار فوقا-غزير الخوري جوزف سلّوم الفرق بين إرادة الله ومعرفته، شارحًا: في بدء الخلق، كان كل شيء منظّمًا لكن خطيئة الإنسان الأوّل "آدم وحواء" تسبّبت بدخول معضلتَيْن إلى العالم: الأولى هي المرض والألم، والثانية هي معضلة الموت. وأصبح الإنسان في مواجهة هاتَيْن المشكلتَيْن.

ونوّه بضرورة عدم ربط الألم أو المرض أو الوباء بخطيئة الإنسان وتحرير إشكاليّتها من إرادة الله، مستشهدًا بالنصّ الكتابي من إنجيل يوحنا حين سُئل الربّ عن الرجل المولود أعمى، إذا كان قد أخطأ أم والداه ارتكبا خطيئة، فقال: «لا هو أخطأ ولا والداه، وإنما لتظهر فيه أعمال الله» (يو 9: 3).

الخوري جوزف سلّوم. Provided by: Father Joseph Salloum
الخوري جوزف سلّوم. Provided by: Father Joseph Salloum

وأكد الخوري سلّوم أن الله يعرف كل شيء لأنه سيّد التاريخ، أمس واليوم وإلى الأبد، وهو ضابط الكل وإرادته مرتبطة بالصلاح والخير والحبّ والرحمة، مضيفًا: إنها ليست نهاية الأزمنة على الإطلاق لأن يسوع تنبّأ في الكتاب المقدّس: «تحدث زلازل شديدة ومجاعات وأوبئة في أماكن كثيرة، وستحدث أيضًا مخاوف تأتي من السماء وعلامات عظيمة» (لو 21: 11) أي أن الزلازل والمجاعات والأوبئة ليست نهاية الأزمنة بل ولادة لعالم جديد تسوده المحبّة المنتصرة على الشرّ.

ورأى وجوب أن نعلم أن هذه المرحلة موقّتة، ونتمسّك بكلمة الربّ: «ثقوا، أنا غلبت العالم» (يو 16: 33)، مردفًا: إذا كان عالمنا يتألّم اليوم من كثرة الجراح العميقة والآلام الكبيرة وانتشار الأمراض والأزمات الاقتصاديّة والاجتماعيّة، علينا النظر إلى الصليب الذي ينوء الكثيرون تحته. كل ذلك يعكس حقيقة الإنسان بضعفه وهشاشته ومحدوديّة جسده لكننا نعلم أن لا أعظم من الربّ.

هل نلوم الله على انتشار الأوبئة؟

أمام المعاناة من انتشار الأوبئة، استشهد الخوري سلّوم بكلمات القديس بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنثس: «لم تصبكم تجربة إلا وهي على مقدار وسع الإنسان. إن الله أمين، فلن يأذن أن تُجَرَّبوا بما يفوق طاقتكم» (1 كو 10: 13)، مؤكدًا عدم وجوب لوم الله لأنه لا يرسل المرض والوباء، بل ضرورة القيام بقراءة صحيحة للتدخّل الإلهي في التاريخ البشري من أجل اختبار حبّه ورحمته وخلاصه.

وتابع: إن كل شيء خلقه الله للخير. لقد أعطى الإنسان الحرّيّة، لكن الأخير سبّب التلوّث والخلل في البيئة والنظام الغذائي وصنع الحروب. الربّ يريد أن يزرع في هذه الأرض البركة والنعمة، وهو يتدخّل في الوقت المناسب ويحوّل الشرّ إلى خير عظيم، كما حصل مع يوسف.

لماذا يسمح الله بهذه التجربة؟

شدّد الخوري سلّوم على أهميّة معرفة قراءة إرادة الله في التاريخ البشري انطلاقًا من ذهنيّة صحيحة، قائلًا: إذا عدنا إلى العهد القديم، نرى أن الوباء موجود في العالم، فضلًا عن انتشار 4 أحكام شديدة اعتُبرت نوعًا من العقاب الإلهي، وهي: الحرب والجوع والوحوش الضارية والوباء (حز 14: 24).

وأضاف: علينا النظر إلى اختباراتنا على ضوء الصليب، والثقة بأن الله هو شافي جراح البشريّة. هذه الاضطرابات والتغيّرات في العالم تعطي الفرصة كي يقوى إيمان الإنسان ليعرف أن الربّ لم يتركه، وأنه أعطاه علامة عهده: «إني ولو سلكت في وادي ظلال الموت، لا أخاف سوءًا لأنك معي» (مز 23: 4).

وقال الخوري سلّوم: سنرى كيف ستقودنا هذه الأزمات إلى التجدّد والعودة إلى إنسانيّتنا والتضامن مع بعضنا والتشفّع إلى الربّ، وستجعل البشريّة تعي أنها ضعيفة وبحاجة إلى قدرة الله. الربّ يحمل أمراضنا ويهبنا الشفاء علامة على الملكوت، ويدعونا إلى انتظاره والاقتراب منه ولمسه لأن المرض موجود في كل الأزمنة والأمكنة، لكننا سنُشفى كالنازفة وعبد قائد المئة.

هل الوباء عقاب أم تأديب؟

إلى ذلك، سلّط الخوري سلّوم الضوء على انتشار الأوبئة في ذهنيّة العهد القديم، إذ انتشر الوباء بسبب كبرياء النبي داوود وتمرّده على الربّ واستثمار المال في السلاح. ولمّا تاب، توقّف الوباء. أما في عهد النبي موسى، فقد ظهر الوباء عند تحرير الشعب من العبوديّة، ولم تستطع حكمة المصريين وآلهتهم وضع حدّ للأوبئة، فظهرت قدرة الخالق وسيادته وتفوّقه على الجميع، وأعلن الربّ أنه المدافع عن المظلومين وشعبه إذ أراد أن ينتهي ظلم الشعوب وقتل الأطفال واستعباد البشر لأنه إله التحرير.

المزيد

وتابع: كان الوباء وسيلة للتحذير من سلوك السبل الخاطئة ودعوة إلى التوبة والتأمّل في العدالة من منظور إلهي. النبي موسى تضرّع إلى الله من أجل الشعب، والنبي هارون قدّم البخور كي يردّ سخط الله، فامتنع الوباء عن العالم.

وأكد الخوري سلّوم أن الوباء ليس عقابًا أو تأديبًا من الله لأنه ليس مصدره، لكننا عندما نحسن قراءة إرادة الله في تاريخ البشريّة، سنكتشف أنه لا يتركها مثل الأمّ التي لا تنسى رضيعها.

رحمة الله في زمن الأوبئة

في سياق متصل، قال الخوري سلّوم إن البشريّة تطرح جدليّة كبيرة حول هويّة يسوع، وتسأل عن سبب صمته أو عدم تدخّله في تاريخ البشريّة، إلا أن للربّ حكمة مختلفة عن منطقنا في معالجة الأزمات.

وأشار إلى موقفَيْن نقيضَيْن متطرّفَيْن يتّخذهما البشر؛ الأوّل هو موقف الشخص الذي يعتبر نفسه مؤمنًا ويعتقد أن لا إمكانيّة لهذا الوباء أن يصيبه ويؤذيه لأن الربّ يحميه، فلا داعي للهلع أبدًا، لكنه موقف متطرّف لأن الكثيرين من القديسين والمؤمنين والأتقياء أصيبوا بالأمراض وقضوا بسببها. أما الثاني، فهو موقف الخائفين والقلقين والمرتبكين الذين يعيشون أسرى مخاوفهم وينسون كلمات صاحب المزمور: «الربّ نوري وخلاصي، فممّن أخاف؟» (مز 27: 1).

واستشهد الخوري سلّوم بكلام النبي أشعيا: «اذهب يا شعبي وادخل حجراتك، وأغلق الأبواب خلفك. اختبئ نحو لُحَيْظة حتى يعبر الغضب» (أش 26: 20)، داعيًا المؤمنين إلى الاختباء في قلب الله واللجوء إلى حمايته والثقة به لأنه يضع علامات الرحمة ويفتقد شعبه ويشفيه.

آيات تذكر الأوبئة وتدلّ على رحمة الله

(تستمر القصة أدناه)

وختم الخوري سلّوم، مستشهدًا بالآيات التي ورد فيها ذكر الأوبئة ودلّت على تجلّي رحمة الله: «إن تواضع شعبي الذي دُعي باسمي وصلّى والتمس وجهي وتاب عن طرقه الشريرة، فإني أسمع من السماء وأغفر خطيئته وأشفي أرضه. الآن، ستكون عيناي مفتوحتَيْن، وأذناي مصغيتَيْن إلى الصلاة المُقامة في هذا المكان» (2 أخ 7: 14-15).

ودعا جميع المؤمنين إلى عدم الخوف والعودة إلى الربّ وطلب الشفاء منه والمصالحة معه ومع الآخرين.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته