في خضمّ الأيّام اليوبيليّة المُخصّصة للعائلات والأطفال والمُسنّين، تعود إلى الواجهة تساؤلات جوهريّة في شأن المكانة الروحيّة للعائلة ودورها المحوريّ في الكنيسة والمجتمع.
وفي عالمنا اليوم، حيث تُواجه العائلة ضغوطًا متزايدة، أجرت «آسي مينا» حوارًا مع الخوري يواكيم شيحان، الحائز دكتوراه في لاهوت الزواج والعائلة من معهد يوحنا بولس الثاني من جامعة اللاتران الحبريّة في روما، والذي يخدم حاليًّا في أبرشيّة قبرص المارونيّة بصفته مدبّر الموارنة في بافوس ومسؤول «لجنة راعويّة العائلة»، وذلك للتأمّل بأبرز المحاور التي تطرحها هذه المناسبة، بما أنّ العائلة هي الكنيسة المُصغّرة الأولى في قلب عالمٍ مضطرب.
جانب من الاحتفالات الليتورجيّة الرعويّة في بافوس مع المطران سليم صفير. مصدر الصورة: الخوري يواكيم شيحان
الكنيسة تنبع من البيت
أكّد شيحان أنّ العائلة المسيحيّة، بحسب التعليم الكنسيّ، ليست مجرّد مؤسّسة اجتماعيّة أو وحدة تربويّة، بل هي «كنيسة بيتيّة» بكلّ معنى الكلمة.
وأوضح: «البيت المؤمن يتحوّل إلى مكان للنموّ في الإيمان والرجاء والمحبّة، حيث يتعلّم الأبناء أنّ الإيمان ليس شعائر جامدة، بل أسلوب حياة يتجلّى في الصلاة، وفي الحبّ المتبادل، وفي الشهادة لله داخل العائلة». هذه الكنيسة الصغيرة ليست حلمًا بعيدًا، بل دعوة واقعيّة تبدأ «بتخصيص زاوية صلاة في البيت، ووقت أسبوعيّ للصلاة، والمشاركة بالقدّاس، ودعوة عائلة أخرى إلى لقاء إيمانيّ بسيط».
جانب من الاحتفالات الليتورجيّة الرعويّة في بافوس مع المطران سليم صفير. مصدر الصورة: الخوري يواكيم شيحان
شهادة إيمانيّة عميقة
الزواج المسيحيّ يتعدّى بمفهومه الناحية القانونيّة، «فهو ليس عقدًا اجتماعيًّا، بل هو سرّ مقدّس مبنيّ على عمل الله الذي لا يُفرّقه أحد». وعن شهادته بصفته كاهنًا متزوّجًا وأبًا لثلاثة أولاد وابنة، أشار شيحان إلى أنّ زواجه وكهنوته ليسا مسارَين منفصلين، بل دعوة واحدة متكاملة. وقال: «شاءت العناية الإلهيّة أن نتحضّر، زوجتي وأنا، قبل نيلي سرّ الكهنوت، وأن ندرس معًا في معهد يوحنا بولس الثاني للدراسات حول الزواج والعائلة في روما، وهناك وضعنا زواجنا تحت نظر الله، ليس فقط بوصفه نعمة نعيشها، بل أيضًا كموضوع نتأمّل فيه ونفهم من خلاله أنفسنا والآخرين».
جانب من الاحتفالات الليتورجيّة الرعويّة في بافوس مع المطران سليم صفير. مصدر الصورة: الخوري يواكيم شيحان
وتابع: «ندرك مسؤوليّتنا الكبيرة في أن نكون نموذجًا حيًّا لأولادنا، لا من خلال التوجيه فحسب، بل من خلال أسلوب حياتنا».
بعيدًا من المثاليّة، رأى في العائلة واقعًا حيًّا «فيه النعمة والضعف، فيه الفرح والتعب»، معبّرًا عن إيمانه بأنّ «الاختلاف في الطبع والشخصيّة داخل العائلة لا يشكّل تهديدًا، بل غنى يجب اكتشافه بصبر واحترام».
وختم بشهادة تنبع من خبرته اليوميّة، قائلًا: «زوجتي لم تكن مسانِدة فحسب، بل رفيقة دعوة حقيقيّة. نصلّي معًا، نناقش، نخطئ، نتصالح، ونسير يدًا بيَد». في هذا المسار المشترك، تتجلّى العائلة بوصفها كنيسة بيتيّة تنبض بنعمة مزدوجة: نعمة سرّ الكهنوت، ونعمة الحبّ الزوجيّ، وهما طريقان نحو القداسة.
من اجتماع العائلات في أبرشيّة قبرص المارونيّة مع المطران سليم صفير والخوري يواكيم شيحان. مصدر الصورة: الخوري يواكيم شيحان