الليتورجيا في زمن التحدّيات… كيف تُحافظ على روحانيّتها وأصالتها؟

الطقوس الكنسية الليتورجية تساعدنا للقاء ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح الطقوس الكنسية الليتورجية تساعدنا للقاء ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح | مصدر الصورة: Mircea Moira-Fabio Lotti-Bjorn Beheydt/Shutterstock

عبرَ الطقوس الليتورجيّة، يُقدّم الإنسان ما لديه لله كي يأخذه ويُباركه ويُعيده إليه مُقدّسًا مصونًا ومخلَّصًا. وهكذا تغدو الطقوس بأصالتها وتعابيرها ومواقفها ملاذ الإنسان، يلجأ إليه ليتشدّد في وجه كلّ نزعةٍ مُعاصرة تريد تشويه صورته وبثّ اليأس في حياته.

وعلى الرّغم من إسهام الدّراسات الطقسيّة والليتورجيّة في نهضةٍ روحيّةٍ كبيرة في القرن العشرين، رأى المطران بولس ثابت، راعي أبرشيّة ألقوش الكلدانيّة، أنّ بعضها قد تشعّب، ومنها ما ذهب إلى دراسة الطقوس وتطوّرها ضمن دائرة بحثٍ نقديّة بحتة.

وقال ثابت في حديثه لـ«آسي مينا» إنّ عددًا من الدراسات تناولَ الطقوس ورموزَها وحركاتها بصورةٍ وظيفيّة، وبحَثَ في أسبابها الموجبة، كتعليلِ بعضهم تقديمَ البخور كتعطيرٍ للجَوّ ينتفي وجودُه بانتفاء الحاجة إليه، دون الاكتراث إلى رمزيّة هذه الممارسة الطقسيّة.

وأشار إلى أنّ عدم ارتباط بعض الأفكار بالمعنى الروحيّ واللاهوتيّ يُبقيها عقيمةً ومدمِّرة. من هذا المنطلَق، ألغيت أمورٌ طقسيّة مهمّة، كحجاب الهيكل على سبيل المثال.

وتابع: «طقوسنا مملوءة بالصّلوات والتضرّعات والسجدات والابتهالات التَّوْبَويَّة، ونحن مدعوّون إلى تأديتها بحماسةٍ ومحبّة وغيرة لأجل خلاص العالم كلّه وخيره الروحيّ والمادّيّ بشعورٍ كامل بالمسؤوليّة».

الهيكلُ بحجابٍ ومن دونه، في كنيسة القدّيس مار أنطونيوس الكبير للرهبنة الأنطونيّة الهرمزديّة الكلدانيّة. مصدر الصورة: الرهبنة الأنطونيّة الهرمزديّة الكلدانيّة
الهيكلُ بحجابٍ ومن دونه، في كنيسة القدّيس مار أنطونيوس الكبير للرهبنة الأنطونيّة الهرمزديّة الكلدانيّة. مصدر الصورة: الرهبنة الأنطونيّة الهرمزديّة الكلدانيّة

وعدَّ اللامبالاة والكسل الروحيّ تهديدًا للطقوس، عبر إهمالها، ما يعني إهمال الواجب المسيحيّ الأساس. وفسَّر ثابت أنّ «الطقوس صلاةٌ جماعيّة، وهي ذروة الروحانيّة، فالمسيح يكون حيث يجتمع المؤمنون. فعندَ إقامة الطقوس بصورتها الصحيحة، يتّكل المؤمنون على بعضهم بعضًا متأكّدين من أنّ صلاة أحدهم ليست لنفسه فحسب، بل للجماعة كلّها، فيتعمّق رجاؤهم بالاستجابة. فلا مبرّر إذن لإلغاء الطقوس وتضرّعاتها لحساب التقوى الفرديّة».

ونبَّه إلى أنّ الطقوس تُوحّد الأجيال «فعندما نصلّي صلواتنا الطقسيّة، إنّما نتّحد مع كلّ من يُصلّيها اليوم في الكنائس حول العالم، ومع من صلّاها على مرّ السنين ومع من سيُصلّيها مستقبَلًا».

وخلُص ثابت إلى القول: «بالمحافظة على الطقوس نحافظ على ذواتنا، فطقوسنا الكنسيّة، بأصالتها وحبكتها، تساعدنا للقاء ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح، وتُجدّد فينا الحقيقة المحافِظَة على هويّتنا الإنسانيّة المخلوقة على صورة الله وتُجيب عن أسئلتنا العميقة والمصيريّة، زارعةً فينا الرّجاء الذي لا يُخيّب».

ودعا إلى تجنّب الانجراف خلف شعاراتٍ خاطئة في شأن الطقوس الكنسيّة، ما بين تجديدها والحفاظ عليها، وإن كانت النيّاتُ صادقة، بل أن نتعلّم عوض ذلك الدخول إلى الطقوس وعيشها بغيرةٍ رسوليّة ووعيٍ كهنوتيّ، عبر تنشئةٍ إيمانيّة ليتورجيّة وشروحات تتناغم فيها معاني الرموز والإيمان والأحداث الخلاصيّة مع عمق انتظاراتنا ومشاعرنا الروحيّة وحاجتنا، فنُسهم في نقل خلاص الله للعالم ونشر ملكوته.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته