في عيد الفصح المجيد، يُطلّ المطران حنّا رحمة، راعي أبرشيّة بعلبك ودير الأحمر اللبنانيّة المارونيّة، عبر «آسي مينا» ليُخبرنا عن مفهوم القيامة وسُبل بلوغ جوهرها الحقيقيّ.
يشرح رحمة: «منذ القِدَم، تجلّت فكرة القيامة، أي الانبعاث من الموت إلى الحياة. ففي حضارات ما قبل المسيح، كان الفينيقيّون متطوّرين، وكان فصل الربيع يُجسّد بالنسبة إليهم القيامة والثبات في وجه البرد والعواصف. أمّا المصريّون القدماء فجاهدوا في سبيل تحنيط أمواتهم وإنشاء الأهرامات والمقابر الفرعونيّة، وعاشوا مع فكرة عودة أمواتهم إلى الحياة، فكانوا يضعون معهم الثياب والأسلحة والمأكل. ورأينا التمسّك بالحياة أيضًا لدى شعوب بلاد ما بين النهرَين، مع إلهها تمّوز الذي يرمز إلى الخصب والحياة».
المطران حنّا رحمة. مصدر الصورة: المطران حنّا رحمة
القيامة في الكتاب المقدّس
ويُخبِر: «في العهد القديم، برزت لدى اليهود فكرة إله الآلهة، ربّ السموات والأرض، ربّ الحياة والموت. كان اليهود يشعرون باستمرار بأنّ الله هو الذي يُعطي الحياة ويُميتُ ويُحيي: "لأَنَّكَ لن تَترُكَ في مَثْوى الأَمْواتِ نَفْسي، ولَن تَدَعَ صَفِيَّكَ يَرى الهُوَّة" (مز 16: 10)».
ويُردف: «أمّا في الإيمان المسيحيّ في العهد الجديد، فرأينا كيف أنّ المسيح بدأ يُهيّئ تلاميذه لموته وقيامته حين أخبرهم عن هذا الأمر ثلاث مرّات، وجعلهم يستعدّون أكثر في هذا الجانب لمّا أقامَ ابن الأرملة ولعازر من الموت. كلّ هذه المعجزات وغيرها كانت تحضيرًا لقيامته المجيدة. كما كلّمهم عن آية يونان وكيف ظلّ ثلاثة أيّام في قلب الحوت. وجاءت في اليوم الثالث لحظة صلب المسيح وموته وقيامته التي انطلَقَ معها كلّ الإيمان المسيحيّ، لأنّ المسيح لو لم يقُم، لكانَ اعتُبِرَ معلّمًا أو فيلسوفًا أو مفكّرًا مثل غيره في التاريخ».
ويواصل حديثه: «لكنّ حدث القيامة أظهر أنّ هذا الشخص الذي أقام الميت وصنع معجزات كثيرة، ليس رجلًا عاديًّا، ولا يخضع لسلطة العبور والفناء. فتحوّل إلى جسد مُمجَّد، قائم من بين الأموات، عابر إلى الحياة الأبديّة».
سلطة الخير وحضور الله تجلّيا بتجسُّده وآلامه وصلبه وموته وقيامته. مصدر الصورة: Rachata Sinthopachakul/Shutterstock
سلطة الله وقوّة الشرّ
ويؤكّد رحمة: «توجَد سلطتان؛ سلطة الخير وحضور الله اللذان تجلّيا بتجسُّده وآلامه وصلبه وموته وقيامته من جهة، وقوّة الشرّ المُسيطر في الكون من جهة ثانية، ونحن نحيا الصراع بين هذين القوّتين. من الممكن أن يرتقي أحدهم صوب الكمال، لكنّه يعود ليسقط نحو الأسفل بسبب وقوعه في الكبرياء والضلال».
ويزيد: «هل نحن نؤمن بالقيامة ونمشي خطوات إيمانيّة صوب يسوع؟ أَنَسألُهُ، هو من تغلّب على كلّ الضعف والمصائب، أن تُصبح قلوبنا وأفكارنا وأرواحنا على مثاله؟! إنّ مسيرة الصوم وما تضمّنته من صلوات وطقوس وتجرُّد، تُشكّل وسيلة فعّالة ساعدتنا حتّى نلتقي المسيح ونبلغ فرح القيامة. كلّ إنسان عرف كيف يُصلّي ويُكرّس وقته لقراءة الإنجيل، هو اليوم سعيد لأنّه لمس حضور المسيح».
ويكمل: «الحياة الثابتة هي الحياة الأبديّة. فمن خلال حياتنا على هذه الأرض، نبدأ بعيش القيامة، أي بالصعود تدريجًا من منطق البشر والخطيئة، إلى التجرّد والارتقاء صوب المسيح، وعندئذٍ نحصد الاستقرار بالحبّ والسلام والرجاء والإيمان».
ويقول رحمة: «إنّ الألم موجود، وكذلك آثار الحروب المدمّرة التي عَصَفتْ بنا على أرضنا، ومنها حرب الطمع والجشع التي سلبت خيرات الآخرين وممتلكاتهم. فعلينا اليوم، نحن المسيحيّين والمسلمين، النهوض جميعنا من هذه الحفرة. ومع هذا العهد الجديد الذي بدأ في لبنان، يجب أن نَعبُر رغم العواصف والشدائد التي تحيط بنا، على مثال المسيح الذي وقفَ في وجه العاصفة ومشى فوق المياه، وعَبَرَ من ضفّة إلى أخرى».
ويُتابع: «نحن لم نصل بعد إلى سبت النور، لأنّ المسيحيّين قد انغمسوا بالحقد عِوَض التبشير بالمحبّة. المسيح لم يبلغ القيامة إلّا عبر درب الجلجثة، لهذا نتساءل: هل بإمكاننا أن نسير درب جلجثتنا ونُنقّي الذات حتّى نبلغ القيامة ونحن نهتف مع المسيح: "يا أَبَتِ ٱغفِرْ لَهم، لأَنَّهُم لا يَعلَمونَ ما يَفعَلون" (لو 23: 34)؟».
ويؤكّد: «الحياة الأبديّة لا نحصدها إلّا بالتخلّي عن أمجاد الأرض، على مثال العشّار الذي أدرك خطيئته حين التقى المسيح وتابَ عنها. المسيح أعطانا، بحدث صلبه وموته، قوّة الانتصار على الكراهية والموت. ويسوع بعد قيامته ظهر لتلاميذه الذين نقلوا لنا اختبارهم الحيّ معه».
ويختم رحمة: «طوبى لنا إذا آمنّا بناءً على شهادة الرسل، فهي دستور إيماننا الحقّ الذي نسعى إلى نقله على مثالهم ونحن نردّد: "أَستَطيعُ كُلَّ شَيءٍ بِذاكَ الَّذي يُقوِّيني" (في 4: 13)».
دكتورة في اللغة العربيّة وآدابها. كاتبة وأديبة، في رصيدها كتابان، وهما: "عيون بلون المغيب"، و"أزاهير المستحيل". مُؤسِّسة جوقة "السراج" التي تضمّ مجموعة من الأشخاص المكفوفين والمبصرين.
«سمع الرجل والمرأة الأوَّلان صوت تحطيم مغاليق الجحيم، فخرجا من قبرَيْهما». مستذكرًا هذه الجملة من الليتورجيا البيزنطيّة، لفت كاتب الأيقونات كاسبار بويكانس الانتباه إلى انتصار يسوع على الموت في حديث خاصّ مع «آسي مينا» عن أيقونة القيامة.