الحدود اللبنانيّة المشتعلة تلتجئ إلى مريم العذراء

من مزار سيّدة دبل الجنوبيّة من مزار سيّدة دبل الجنوبيّة | مصدر الصورة: مزار سيّدة دبل

لا تخلو زاوية في القرى المسيحيّة على الحدود اللبنانية الجنوبيّة من مزار أو تمثال للسيّدة العذراء. هناك، وعلى وقع القصف المتفاقم حينًا والمتراجع حينًا آخر، لا تهدأ الصلوات ولا تصمت الأجراس ولا تنقطع القداديس. وفي خلال الشهر المريميّ (مايو/أيّار)، يلتجئ مسيحيّو القرى المتاخمة للشريط الحدودي الصامدون في أرضهم إلى أمّهم، مريم العذراء.

بكثيرٍ من الأمل، يصلّي آلاف المسيحيين الراسخين في بلداتهم المشتعلة أطرافها للسيّدة العذراء. يتجمّع هؤلاء بالمئات أمام مزارات تحمل اسمها وتحتضن صورًا وتماثيل لها ليرفعوا رؤوسهم وتضرّعاتهم إليها. كلّ ما يريده هؤلاء أن يعيشوا بسلام في بيوتهم؛ ألّا يناموا على دويّ القصف ويستفيقوا على الصوت نفسه؛ ألّا يعيشوا حربًا لا شأن لهم فيها؛ ألّا يهجروا بيوتهم وأرزاقهم قسرًا؛ أن يعود أولادهم إلى مدارسهم؛ أن تعود أشغالهم إلى ما كانت عليه قبل القصف والدمار. ببساطة، يريد هؤلاء أن تكون حياتهم طبيعيّة بلا قلقٍ يوميّ من الحاضر السيّئ والآتي الأسوأ.

من مزار أمّ المراحم سلطانة الشهداء في بلدة رميش الجنوبيّة. مصدر الصورة: صفحة رميش في فيسبوك
من مزار أمّ المراحم سلطانة الشهداء في بلدة رميش الجنوبيّة. مصدر الصورة: صفحة رميش في فيسبوك

في بلدة رميش الحدودية (قضاء بنت جبيل) يبدو المشهد خاشعًا. في مزار أمّ المراحم سلطانة الشهداء، يحتشد أبناء رميش وبناتها على امتداد الشهر المريميّ. استقبل هؤلاء الشهر المبارك بقدّاس إلهيّ وبتلاوة صلاة المسبحة على مرأى من تمثال السيّدة العذراء. وكتب الأهالي في الصفحة التابعة للبلدة في فيسبوك: «أمّ المراحم، أمّ السلام والرحمة، نستمدّ القوة من رحمتك العظيمة.... بقوّة الإيمان والصبر والتضرّع سيحلّ السلام في الجنوب يومًا بعد يوم».

على مسافة قريبة من رميش تقع بلدة القوزح الحدوديّة (قضاء بنت جبيل). هناك أيضًا لا تتوقّف القداديس والصلوات تحديدًا في كنيسة مار يوسف، شفيع البلدة. ولمريم العذراء مكانةٌ في قلوب الأهالي في شهرها وفي كلّ زمن. إليها يتضرّعون لعودة السلام، خصوصًا بعد القصف الذي طال الحارة القديمة الأثرية في القرية وخلّف دمارًا هائلًا.

من كنيسة السيّدة عين إبل الجنوبيّة. مصدر الصورة: Rakan Diab/Ain Ebel-Our Heaven
من كنيسة السيّدة عين إبل الجنوبيّة. مصدر الصورة: Rakan Diab/Ain Ebel-Our Heaven

في القضاء نفسه (بنت جبيل)، يشمخ تمثال مريم العذراء في مزار سيّدة دبل الشهير. هناك، يتلو الأهالي صلاة المسبحة الوردية طوال الشهر المريميّ يوميًّا في تمام الساعة السادسة مساءً أمام التمثال المطلّ على الشريط الحدودي.

وليكتمل مشهد «المربّع المسيحيّ» في قضاء بنت جبيل، تصدح الصلوات في كنيسة السيدة عين إبل. تُعدّ الكنيسة بضخامتها وهندستها وحجرها التقليديّ واحدة من أجمل الكنائس التي تحمل اسم العذراء في الجنوب اللبناني. يطلّ الشهر المريميّ على البلدة التي يتمسّك أهلها بإيمانهم ويصمدون على الرغم من القصف المحيط بهم. شأنها شأن القرى المسيحيّة المجاورة، تصلّي عين إبل لوالدة الإله على نيّة عودة الهدوء إلى ربوع الجنوب.

من كنيسة مار جرجس في القليعة الجنوبيّة. مصدر الصورة: رعيّة مار جرجس-القليعة
من كنيسة مار جرجس في القليعة الجنوبيّة. مصدر الصورة: رعيّة مار جرجس-القليعة

لا يختلف المشهد في القليعة الحدودية (قضاء مرجعيون). ففي تلك البلدة التي لم تعفِها القذائف، تستوطن الصلوات رعية مار جرجس في خلال الشهر المريمي. بكثير من الرجاء، ترتفع داخل كنيسة البلدة صورة للسيّدة العذراء، وتمثالٌ مزيّن بالورود والوشاح الأبيض والأزرق. وفي مطلع الشهر، حضر الأهالي القداس الإلهي المسائي الذي تلاه سجودٌ للقربان المقدّس على نيّة وحدة الكنيسة وتوحيد موعد عيد الفصح في جميع الكنائس.

يُذكَر أنّ أهالي القرى المسيحيّة الواقعة على الشريط الحدودي يقاسون تبعات المواجهات على الجبهة اللبنانيّة الجنوبيّة منذ بدء الحرب في غزة. وقد هجر بعضهم بلدته حفاظًا على سلامة عائلته، فيما يختبر الصامدون منهم في أرضهم أزمات معيشية ومهنية وتربوية.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته