هل يدعونا زمن الصوم إلى اعتزال البهجة؟

الصوم والفرح: توازن بين الروحانيّة والاحتفالات الصوم والفرح: توازن بين الروحانيّة والاحتفالات | مصدر الصورة: Love You Stock/shutterstock

نظّمت الكنيسة أزمنة السنة الطقسية لتساعد مؤمنيها على فهمٍ أعمق لتدبير الله الخلاصي، وحضور الربّ الدائم في حياتهم، متأمّلين في ميلاده وعماده وأعاجيبه ثم موته وقيامته. وضمّنتها فترات صوم استعداديّة تساعد المؤمنين على سلوك درب القداسة.

فهل يقتصر الصوم على زمن العبادات والصلوات حصرًا؟ وهل تصحّ المشاركة في المناسبات البهيجة التي تتخلله؟ أم أنّ في ذلك ازدراء للصوم؟

يوضح الأب بول ربّان الكاهن الكلداني المتقاعد في السويد، في حديث خاصّ إلى «آسي مينا» أنّ زمن الصوم غير مقتصر على الصيام والصلاة، «فالحياة مستمّرة ومعها حاجة الإنسان إلى الطعام والراحة. كما أنّ الصلاة والتعبّد والتَزَّهُد ليست حكرًا على زمنٍ بعينه، ولا بدّ من الاهتمام باحتياجاتنا الروحيّة، وسط مشاغل الحياة، لأننا جسدٌ وروح».

وتابع: «للجسد الفاني حاجاته الزمنيّة المحدودة الآيلة إلى الزوال، وللروح الخالدة حاجاتها المستندة إلى الإيمان والرجاء والمحبة، والمُعَبَّر عنها بالصلاة والصوم والصدقة، اقتداءً بيسوع وتنفيذًا لتعليمه؛ فنتمتَّع بفرحٍ وراحةٍ حقيقيّين عندما نشعر بأنّ حياتنا موافِقة لتعاليم المسيح التي تدعونا «صلّوا ولا تملّوا»، لأنّ الشرَّ لا يُغلَب «إلا بالصوم والصلاة».

واستطرد: «ولأنه يعلم أنّ "الروح مُندَفع وأما الجَسد فضَعيف" قال: "اسهَروا وصَلُّوا لِئَلا تَقَعوا في التَّجرِبَة" فالصوم يُقوّي الجسد لمقاومة التجارب. وكما صام يسوع وصَلَّى وغلبَ إبليس، نصوم على مثاله عن الطعام والشر».

أمّا المشاركة في الحفلات، فتحدّدها نوعيتها والتزامها حدود الآداب والحشمة، بحسب ربّان «فالرقص والغناء والموسيقى ليست سَيِّئة بذاتها، بل تفتح بابًا للتنفيس، وفسحة للترفيه عن النفس من متاعب الحياة. فإن كان منظِّموها معروفين ومضمونين أخلاقيًّا وإيمانيًّا، فلا ضير من بعض التسلية البريئة التي لا تعيق المسيرة الروحية».

وشدَّد على أن يكون صومنا عن الشرّ أكثر منه عن الطعام ومَسرّات الترفيه، ولكن «بإمكان الراغب الامتناع عن الترفيه في الصوم لئلا يعرّض نفسه للتجربة، لكنّه مدعوّ أيضًا إلى تجنّب دينونة الآخر. والأحرى ألّا نكون سبب عثرة للآخرين، لا في صيامنا ولا في إفطارنا، وخصوصًا في حضورنا حفلاتٍ صاخبة ومشبوهة».

الصوم إذًا لا يمنع الفرح «فالربّ يعلّمنا ألّا نعبّس وجوهنا كالمرائين، بل نغسلها وندهن رؤوسنا، فرحين وراضين ومشاركين الآخرين في أفراحهم من دون فقدان كنزنا الروحيّ أو التهاون في جهادنا ضِدَّ الشر والفساد».

وخلاصة القول تكمن في تعليم بولس الرسول: «كل شيء حلال، ولكن ليس كل شيء بنافع. كل شيء حلال، ولكن ليس كل شيء يبني»؛ فالرقص رياضة والمشروب من ثمار الله، والغناء والموسيقى من صلب العبادة لله… والمهم ألا نتجاوز الحدود.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته