المطران الشهيد أدي شير... إرث تاريخي وأثر إنساني

المطران الشهيد أدي شير المطران الشهيد أدي شير | مصدر الصورة: البطريركية الكلدانية

ينبض التاريخ المسيحي بشخصيات بارزة حفرت أثرها في سجلات العطاء. أدي شير، واحدٌ من هذه الأسماء التي يخلّدها تاريخ الكنيسة وذاكرة المجتمع. هو المطران الشهيد والشاهد بإيمانه الصادق وتفانيه اللامحدود في خدمة الله وشعبه.

ولد المطران أدي شير في بلدة شقلاوا بمدينة أربيل عام 1867 من والدَين كرّسا حياتهما للتقوى والصلاة. تعلّم اللغة الكلدانية من والده، القس يعقوب شير، الذي كان يُدير مدرسة في كنيسة شقلاوا. هناك كان يُعلم الأطفال المسيحيين مبادئ الإيمان وبعض الصلوات واللغة الآرامية. فنشأ أدي في بيئة ترتقي بالإيمان والحبّ لأمته وللغة الآباء.

ما كانت أمنيته؟

رُسِم كاهنًا برتبة قس عام 1889، تكريمًا لجهوده من قبل البطريرك إيليا عبو اليونان، في كاتدرائية مسكنتا بالموصل. وعُيّن مدبّرًا بطريركيًّا لأبرشيّة كركوك. تعلّم اللغة التركية واكتسبها في وقت قصير، وبدأ يترجم بعض الصلوات الطقسية إليها. 

وعندما عُيِّن مطرانًا لأبرشية سعرد في تركيا عام 1902، تحققت أمنيته الكبرى المتجسّدة في خدمة أبرشيته الفقيرة، وتكريم أمته بكتاب يعزّز أهميتها ويكشف تاريخها. لأجل ذلك، جال في أوروبا وزار السلطان عبد الحميد والبابا القديس بيوس العاشر وعددًا من المؤرخين والمستشرقين، حيث جمع مواد تاريخية مهمّة من العلماء. 

تفاصيل الكتاب

مدفوعًا بالطموح، وسّع أدي شير دائرته المعرفية وتعمّق في تاريخ الكلدان. وبعد عودته إلى الأبرشية، أطلق عجلة الكتابة فألّف تاريخ كلدو وآثور. وقسّم الكتاب إلى جزأين كبيرين، تبنى فيهما مناهج متعددة لاستعراض تاريخ هذا الشعب من البدايات حتى ظهور الإسلام. وصدر الجزء الأول عام 1912، والجزء الثاني عام 1913.

صورة لكتاب تاريخ كلدو وآثور من تأليف المطران الشهيد أدي شير. مصدر الصورة: البطريركية الكلدانية
صورة لكتاب تاريخ كلدو وآثور من تأليف المطران الشهيد أدي شير. مصدر الصورة: البطريركية الكلدانية

فصّل الكتاب في جزئه الأول جغرافية أرض الكلدان والآشوريين وديانتهم وسياستهم وفنونهم. وروى قصص ملوكهم منذ القدم وتناول نشأة أول دولة في التاريخ، وهي الدولة الكلدانية. أمّا الجزء الثاني فغطى الفترة من القرن الأول الميلادي حتى ظهور الإسلام، وسرد قصص الاضطهاد التي تعرض لها المسيحيون والشهداء في خلال القرنين الثاني والثالث الميلاديَّين. وقيل أن المطران الشهيد أعدّ الجزء الثالث، لكنه فقد النص قبل وصوله إلى المطبعة.

مجزرة أنهت مسيرته

فيما كان المطران شير في أوج نشاطه وعطائه، اندلعت الحرب العالمية الأولى، وتعرّض الجيش التركي بقيادة جودت باشا لهزيمة كبرى في معركة وان. استغل الجيش الفرصة للهجوم على أبرشيات كلدانية، وقضى على ثماني أبرشيات. يومها ارتكب الجنود مجزرة، فقتلوا أشخاصًا كثيرين وأسروا آخرين، ولم تتمكن سوى قلة من النجاة.

وعندما اقترب الجيش التركي من مدينة سعرد، حاول أصدقاء المطران شير من آل بدرخان إنقاذه، لكنّهم فشلوا. وفي 17 يونيو/حزيران عام 1915، اعتقله الجنود وأطلقوا الرصاص عليه ومزقوا جسده. هكذا انتهت مسيرة هذا المفكّر والمؤرّخ في عمر ثمانيةٍ وأربعين عامًا، تاركًا إرثًا عظيمًا للكنيسة الكلدانية وأبناء وطنه والعالم.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته