الراعي: لصالح من يُحرَم لبنان من رئيس؟

الراعي مترئسًا الذبيحة الإلهية اليوم في الديمان الراعي مترئسًا الذبيحة الإلهية اليوم في الديمان | Provided by: Maronite Catholic Patriarchate of Antioch

تساءل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي: «لصالح من تُحرم دولة لبنان من رئيس لها، من دونه تنشلّ المؤسّسات؟ ولماذا يُنتهك منذ عشرة أشهر الميثاق الوطنيّ للعام 1943 الذي كرّسه اتّفاق الطائف عام 1989، وينصّ على أن يكون رئيس الجمهوريّة مسيحيًّا مارونيًّا، ورئيس مجلس النوّاب مسلمًا شيعيًّا، ورئيس الحكومة مسلمًا سنيًّا، كتعبير فعليّ للعيش المشترك؟»

وقال الراعي في خلال ترؤسه الذبيحة الإلهية في الأحد الرابع عشر من زمن العنصرة في كنيسة الصرح البطريركي الصيفي في الديمان: «نسأل النافذين الممعنين في انتهاك هذا الميثاق الوطنيّ: كيف توفّقون بين هذا الانتهاك السافر والمتمادي ومقدّمة الدستور التي تنصّ على أن "لا شرعيّة لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك (ي)؟" ألا يطال هذا النصّ شرعيّة ممارسة المجلس النيابيّ والحكومة؟».

وجاء في عظة الراعي ما يأتي:

«المطلوب واحد» (لو 10: 42).

1. المطلوب الأوحد الذي يشير إليه الربّ يسوع هو سماع كلمة الله، قراءةً كان أم سماعًا، أم كرازةً أم تعليمًا. وبالنسبة إلينا نحن المسيحيّين، كلمة الله هي شخص يسوع المسيح، الإله الكامل والإنسان الكامل. الذي كتب عنه يوحنّا الإنجيليّ: «في البدء كان الكلمة، ...، والكلمة هو الله، ... والكلمة صار بشرًا وسكن بيننا» (يو 1: 1 و 14).

سماع كلمة الله «كمطلوب أوحد» لا يقصي أي عمل آخر، بل يتقدّمه ليعطيه معنى وقيمة واندفاعًا. هذا ما أراد الربّ يسوع قوله لمرتا المنهمكة في شؤون الضيافة، فيما أختها مريم راحت تسمع كلمة الله من فم يسوع قبل أن تبدأ عملها.

2. ما أجمل وأغنى أن يبدأ الإنسان نهاره بقراءة نصّ صغير من الإنجيل أو من الكتب المقدّسة. فإن فَعَلَ كان عمله صالحًا ومثمرًا، ونال قوّةً وديناميّةً وحبًّا للخدمة والعطاء بحبّ. فلا ننسى أنّ يسوع-الكلمة يخاطب كلّ إنسان في مختلف مراحل حياته الحلوة والمرّة: أكان في حالة الصحّة أو المرض، أم في حالة الغنى أو الفقر، أم في حالة العيش الكريم أو الظلم. فيسوع-عمّانوئيل، «الله معنا» هو رفيق درب كلّ إنسان ليقطعه بسلام.

3. يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة التي فيها نسمع الله يكلّمنا في القراءات والأناشيد، ونحن نخاطبه بدورنا في الصلوات التي نرفعها. وإذ أرحّب بكم جميعًا، أوجّه تحيّة خاصّة إلى عائلة المرحوم النائب السابق الدكتور سليمان بولس بك كنعان الّذي ودّعناه بالأسى وصلاة الرجاء منذ عشرة أيّام مع زوجته وأولاده وأهالي جزّين ومنطقتها التي تحفظ له الجميل بفضل ما حقّق من خدمات وإنجازات.

ونوجّه تحيّة خاصّة لعائلة المرحومة ماري ديراني قزّي التي ودّعناها بالأسى الشديد وصلاة الرجاء في مطلع هذا الأسبوع مع بناتها وابنيها وعائلاتهم وأنسبائهم، ومع أهالي طبرجا والكسليك وكثيرين من معارفهم وأصدقائهم.

إنّ القاسم المشترك بين المرحومين عزيزينا هو سنوات الألم الذي تحمّلاه بالصبر والصلاة. فنصلّي في هذه الذبيحة الإلهيّة لراحة نفسيهما ولعزاء أسرتيهما، سائلين المسيح الفادي الذي أشركهما في آلامه أن يشركهما في مجد قيامته.

4. في إنجيل اليوم يدعونا الربّ يسوع للبحث عن «المطلوب الأوحد» (لو 10: 42) وهو سماع كلام الله، يقول القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني: «إنّ كلام الله يحمل قوّة وسلطانًا عظيمين. فكان للكنيسة وللمسيحيّين ركنًا عظيمًا، ومنعة في الإيمان، وغذاء روحيًّا للفكر والقلب، ومعينًا روحيًّا لا ينضب» (رجاء جديد للبنان، 39).

يسوع المسيح هو إيّاه كلمة الله، ولذا «جلست مريم عند قدميه لتسمع كلامه»، قبل أن تقوم بواجب الضيافة. فكانت هي الضيف على مائدة كلمته الإلهيّة، قبل أن يكون هو ضيفًا على مائدة خبزها الماديّ.

يقول القدّيس إيرونيموس: «من يجهل الإنجيل والكتب المقدّسة، يجهل المسيح». أمّا معرفة المسيح، بحسب القدّيس بولس الرسول: فهي «المعرفة الأسمى» (فيل 3: 8). في هذه العلاقة بيننا وبين المسيح-الكلمة، يكون أنّنا نتكلّم معه عندما نصلّي، وأنّه هو يكلّمنا عندما نسمع كلامه (القدّيس أمبروسيوس: الدستور العقائديّ «كلمة الله»، 25). هذا هو «المطلوب الأوحد» الذي يعطي نكهة لجميع أعمال الإنسان، ويصلحها كما بالملح.

5. فيا ليت المسؤولين السياسيّين عندنا يسمعون في قرارة نفوسهم كلام الله، وبخاصّة الّذين في قبضة يدهم فتح البرلمان اللبنانيّ، ويدعون المجلس لعقد جلسات انتخابيّة متتالية لرئيس الجمهوريّة، وفقًا لمنطوق المادة 49 من الدستور.

في زمن الأسئلة، نسأل: لصالح من تُحرم دولة لبنان من رئيس لها، من دونه تنشلّ المؤسّسات؟ ولماذا يُنتهك منذ عشرة أشهر الميثاق الوطنيّ للعام 1943 الذي كرّسه اتّفاق الطائف عام 1989، وينصّ على أن يكون رئيس الجمهوريّة مسيحيًّا مارونيًّا، ورئيس مجلس النوّاب مسلمًا شيعيًّا، ورئيس الحكومة مسلمًا سنيًّا، كتعبير فعليّ للعيش المشترك؟ ونسأل بالتالي النافذين الممعنين في انتهاك هذا الميثاق الوطنيّ: كيف توفّقون بين هذا الانتهاك السافر والمتمادي ومقدّمة الدستور التي تنصّ على أن «لا شرعيّة لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك (ي)؟» ألا يطال هذا النصّ شرعيّة ممارسة المجلس النيابيّ والحكومة؟

طرحنا هذه الأسئلة لأنّنا متمسّكون بالثوابت الوطنيّة: المؤسّسات الدستوريّة، وميثاق العيش المشترك بالتكامل والمساواة والاحترام المتبادل، ولبنان وطن لكلّ أبنائه مع الولاء الكامل له دون سواه، وسيادة لبنان الداخليّة على كامل أراضيه.

6. ويا ليتكم أيّها المسؤولون السياسيّون، من ناحيةٍ أخرى، تشعرون مع المزارع اللبنانيّ في معاناته، من مثل التكاليف الباهظة لمستلزمات الإنتاج من أدوية وأسمدة وبذار وعلف ولقاحات وأدوية بيطرية، واضطراره لتسديدها بالدولار؛ ومن مثل غزو الأسواق اللبنانية بالمنتوجات الزراعية غير اللبنانية والممنوع إدخالها بأمر من وزارة الزراعة لحماية المنتوج المحلي. فإننا نتوجه إلى الأجهزة العسكرية والأمنية والجمارك لضبط التهريب وإقفال المعابر الحدودية غير الشرعية، ولتعزيز الرقابة والإجراءات على المعابر الحدودية حمايةً للمزارع وللمنتوج المحلي.

المزيد

وفي المناسبة ننوّه بما قامت به بالأمس فرق وزارة الزراعة في كلّ المناطق اللبنانية بالتعاون مع جهاز أمن الدولة وبإشراف القضاء المختص من ضبط كميات من العنب والخضار غير اللبنانية الـمُهرّبة. ونوجّه التحية إلى وزارة الزراعة على جهودها في تسويق المنتوجات اللبنانية في الأسواق المحلية والخارجية وكان آخرها موافقة الاتحاد الأوروبي على إعادة تصدير العسل اللبناني إلى أسواقه، وهذا ما حصل في هذين اليومين.

7. فلنصلّ إلى الله كي يحرّك ضمائر المسؤولين السياسيّين، فيتجرّدوا من مصالحهم الخاصّة والفئويّة والمذهبيّة، ويعملوا من أجل خلاص لبنان وتأمين الخير العام. للثالوث القدّوس الآب والابن والروح القدس كلّ مجدٍ وشكران الآن وإلى الأبد، آمين.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته