الراعي يكرّس كنيسة لبنان والشرق الأوسط للقديس يوسف

البطريرك بشارة الراعي يحتفل بالذبيحة الإلهيّة صباح اليوم في بكركي الراعي يحتفل بالذبيحة الإلهيّة صباح اليوم في بكركي | Provided by: Maronite Catholic Patriarchate of Antioch

«نكرّس اليوم لله بشفاعة القديس يوسف: كنيسة لبنان، وكنائس الشرق الأوسط، والعائلة المسيحيّة، بل والعائلة البشريّة، فنصلّي في هذا التكريس إلى القديس يوسف لكي يحمي الكنائس والعائلات من الأخطار المحدقة بها، ويدعمها في رسالتها بنشر إنجيل الخلاص في كل بيئة ومجتمع». هذا ما أعلنه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي اليوم في عظة قداس عيد خطّيب مريم في بكركي.

سلّم الراعي بلاد الأرز والمنطقة إلى شفاعة حارس الفادي، في ظلّ الظروف العصيبة التي يشهدها لبنان من تعطيل انتخاب رئيسٍ للجمهوريّة، بينما تتولّى زمام الأمور حكومة تصريف أعمال. ويُذكر أن الراعي كرّس بلاد الأرز والشرق الأوسط في العام 2013 لقلب مريم الطاهر في ذبيحة إلهيّة احتفل بها في بازيليك سيّدة لبنان-حريصا.

وتوقّف الراعي في عظته أيضًا عند أهمّية الحوار الصريح والمتجرّد في عمل الجماعة السياسيّة، معتبرًا أن نقصه يؤدّي إلى شلل الدولة وإفقار المواطنين. ودعا المسؤولين إلى سماع صوت الله، مذكّرًا إيّاهم بأنّ العمل السياسي هو لخدمة الإنسان.

وكان الراعي قد دعا النوّاب المسيحيين في البلاد إلى يوم «اختلاء روحي قوامه صوم وصلاة وسماع لكلام الله وتوبة استعدادًا لعيد الفصح المجيد»، الأربعاء 5 أبريل/نيسان في بيت عنيا-حريصا، بحسب بيان صادر عن البطريركيّة المارونيّة.

وجاء اليوم في عظة الراعي ما يلي:

«لمّا نهض يوسف من النوم، فعل كما أمره ملاك الربّ» (متى 1: 24)

1.لمّا حار يوسف أمام سرّ حبل مريم خطّيبته، ولم يجد مكانه ودوره في هذا السرّ، وأمام الصمت الإلهي، فكّر بتخلية مريم سرًّا، من دون اللجوء إلى القضاء، حفاظًا على كرامتها وقدسيّتها. فقَبْل أن ينفّذ قراره، ظهر له ملاك الربّ في الحلم، وكشف له سرّ حبل مريم بيسوع بقوّة الروح القدس، وأظهر له دوره في تدبير الخلاص، بصفته زوجًا شرعيًّا لمريم، وأبًا مربّيًا ليسوع ابن الله المتجسّد، «فلمّا نهض من النوم، فعل كما أمره ملاك الربّ» (متى 1: 24).  

وهكذا «ائتمنه الله على أثمن كنوزه: مريم وطفلها الإلهي» (القديس البابا يوحنا بولس الثاني: حارس الفادي، ص 6). وكون يوسف حارس الطفل الإلهي، فهو أيضًا حارس وحامي جسده السرّي أي الكنيسة، وهو كذلك حارس العائلة المسيحيّة وحاميها، لكونها كنيسة منزليّة مصغّرة.

2.في هذه الأيّام، فيما كنيسة المسيح تعيش ظروفًا صعبة وخطرة في لبنان وبلدان الشرق الأوسط سياسيًّا وأمنيًّا واجتماعيًّا وسلاميًّا، الأمر الذي يقلّص وجودها، ويضعف فاعليّتها، فتُحرم المنطقة من حضارة الإنجيل، ومن الخميرة المسيحيّة الصالحة في مجتمعها، وفيما هذه الظروف تؤثّر بالعمق في حياة العائلة كمدرسة طبيعيّة للقيم الأخلاقيّة والإنسانيّة، وكخليّة أساسيّة للأوطان،

فإنّا نكرّس اليوم لله بشفاعة القديس يوسف: كنيسة لبنان، وكنائس الشرق الأوسط، والعائلة المسيحيّة، بل العائلة البشريّة، فنصلّي في هذا التكريس إلى القديس يوسف لكي يحمي الكنائس والعائلات من الأخطار المحدقة بها، ويدعمها في رسالتها بنشر إنجيل الخلاص في كل بيئة ومجتمع.

3.يشمل هذا التكريس اليوم جمعيّة «إدي» للتوعية التي نرحّب بها: برئيستها ومؤسّستها ميرنا أبو أنطون مناسا. نحيّي أعضاءها والمستفيدين من خدماتها والمساهمين فيها.

وُلدت هذه الجمعيّة من رحم الألم، ألم ميرنا التي فقدت ابنها «إدي» بعمر 25 سنة في حادثة سير. وكان زوجها قد توفّى قبله بسنة. فعزمت في قلب الألم المرير على تغيير الحاضر والمستقبل، وأسّست الجمعيّة على اسم ابنها، وفي الوقت عينه جعلت اسمه بالإنكليزيّة EDY أي: «تربية موجّهة إليك–Education Dedicated to You». تهدف هذه الجمعيّة التربويّة إلى نشر ثقافة التوعية والسلامة المروريّة والتعليم لسائقي الدرّاجات الناريّة وغيرها من الآليّات، وإجراء دورات ومحاضرات توعية وإسعافات أوّليّة بالتعاون مع الصليب الأحمر اللبناني والدفاع المدني والجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي والأمن العام والوزارات والدوائر الحكوميّة وبالاشتراك مع البلديّات، والعمل على تعديل قانون السير وسدّ الثغرات الموجودة فيه، وتقديم اقتراحات إلى وزارة الأشغال العامّة تهدف إلى تحسين الطرقات ومعالجة الشوائب والنواقص بخصوصها، كما والسعي إلى تحسين الطبابة والرعاية الطبّية في غرف الطوارئ والعنايات الفائقة والإنعاش. كما تهدف إلى خلق بيئة سليمة لأولادنا وشبابنا والمحافظة على حياتهم الغالية والحدّ من الموت الرخيص على طرقاتنا غير المؤهّلة أصلًا لقيادة سليمة عليها.

4.اختارت جمعيّة «إدي» هذا الأحد لسببَيْن: الأوّل، عيد القديس يوسف شفيع العائلة المسيحيّة، ومثال كلّ أب، والثاني، مناسبة عيد الأمّ بعد يومين. فتُقدَّم هذه الذبيحة من أجل أمّهات شهداء القوى الوطنيّة المسلّحة والدفاع المدني والصليب الأحمر وشهداء تفجير مرفأ بيروت وضحايا حوادث السير، ولراحة نفوسهم الطاهرة.

5.إنّنا في هذه المناسبة نثني على نشاطات الجمعيّة. ونقدّر كل التقدير إيمان مؤسّستها ميرنا، على أنها بالإيمان والصلاة عرفت أن تكون أكبر من مصيبتها، وأدركت أن الألم هو فرصة الدخول في عمق الحوار مع الله الذي يعزّينا بما يوحي إلينا من مبادرات. نجد في التاريخ الكثير من الشواهد.

6.«فعل يوسف كما أمره الملاك في الحلم» (متى 1: 24).

هذا يعني أن يوسف كان في حالة إصغاء وحوار مع الله. فتميّز بطاعة الإيمان. وبهذا التقى بإيمانٍ مريم التي أجابت المرسَل الإلهي بعبارة: «أنا أمة الربّ. فليكن لي بحسب قولك» (لوقا 1: 38). ولمّا زارت نسيبتها أليصابات لتخدمها، حيّتها بالكلمة النبويّة: «طوبى لمن آمنت بأنّ ما قيل لها من الله سيتمّ» (لوقا 1: 45).

بفضل إيمان مريم ويوسف، ائتمنهما الله على السرّ المخفيّ منذ الدهور، وهو سرّ ابن الله المتأنّس الذي كشف فيه الله ذاته. يعلّم المجمع الفاتيكاني الثاني أن «طاعة الإيمان واجبة لله الموحي. وبها يسلّم الإنسان أمره كله لله حرًّا في كمال طاعة العقل والإرادة لله الموحي، وفي اعتناق إرادي للوحي الصادر عنه» (الدستور العقائدي في الوحي الإلهي: كلمة الله، 5).

المزيد

7.إن القديس يوسف نموذج للحوار مع الله والناس. وهذا مطلوب من كل إنسان، وعلى الأخصّ من كل مسؤول في العائلة والكنيسة والمجتمع والدولة. أساس الحوار هو الإصغاء أوّلًا لما يقوله الله، علمًا بأن الله يكلّمنا بشكل دائم بشخص المسيح، بكلام الإنجيل، بتعليم الكنيسة، بالإخوة الفقراء والمعوزين، بأحداث الحياة، حلوها ومرّها، بشخص خدمة الكهنوت والمكرّسين، وبصوت الضمير. إن كلام الله «نور وحياة»، بدونهما تخبُّط في الظلمة، وشلل العقل عن الحقيقة، والإرادة عن الخير، والقلب عن الحبّ والمشاعر والإنسانيّة.

الحوار مع الناس يتأسّس هو أيضًا على الإصغاء. نسمعهم بما يقولون، ويتألّمون، ويتوقون. ونسمعهم عندما نسبقهم إلى تلبية مشاعرهم وحاجاتهم قبل أن يتكلّموا ويتظاهروا وينتفضوا. فالمسؤول هو الذي يصغي ويبتكر ويميّز حاجات الذين هم في دائرة مسؤوليّته.

8.لا تستطيع الجماعة السياسيّة ممارسة السياسة بمعزل عن الحوار الصريح والمتجرّد، وعن الإصغاء المتبادل وتمييز القرار الواجب اتخاذه، من دون فرض الرأي عنوةً، ومن دون حسابات مخفيّة، وبمعزل عن السعي الدؤوب إلى توفير الخير العام الذي فيه تجد معناها ومبرّر وجودها، والذي يشكّل الأساس في حقّها بالوجود. «يقتضي الخير العام توفير مجمل شروط الحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة التي تمكّن وتسهّل لجميع المواطنين والعائلات والجمعيّات بلوغ كمال حاجاتهم» (الدستور الرعوي: الكنيسة في عالم اليوم، 74). في عدم توفير الخير العام يكمن مصدر أزماتنا: السياسيّة والاقتصاديّة والماليّة والتجاريّة والأخلاقيّة. وهذا هو السبب الأساس لتعثّر بل لتعطيل انتخاب رئيس للجمهوريّة، وبنتيجة هذا التعطيل شلل المجلس النيابي والحكومة والوزارات والإدارات العامّة. بل هنا مكمن الفوضى والفساد وتفكيك أوصال الدولة وإفقار المواطنين والتسبّب بقتلهم وموتهم جوعًا ومرضًا وانتحارًا.

إذا سمع المسؤولون صوت الله عبر كلامه، لوجدوا الباب إلى الحلّ. فكلام الله يحرّر ويوحّد. وأيّ كلام آخر آتٍ من المصالح الشخصيّة والفئويّة والمذهبيّة، يأسر في مواقف متحجّرة، وبالتالي يفرّق ويباعد ويعطّل سير الحياة العامّة.

9.ولا ينسينّ المسؤولون السياسيّون أن العمل السياسي هو خدمة الإنسان، بموجب تصميم الله الذي أراد أن يؤلّف من الرجال والنساء عائلة بشريّة واحدة، يتعاملون فيها بروح الأخوّة في ما بينهم، وبروح البنوّة للخالق الواحد. ما يجعل كل الأشخاص بحاجة الواحد إلى الآخر، وهم في حالة ترابط. من شأن السلطة السياسيّة تعزيز هذا الترابط والتكامل بين المواطنين، وتسهيل سعيهم إلى إنشاء جمعيّات ومنظّمات عامّة وخاصّة، ووضع نظامٍ اجتماعي يضمن خير كل شخص، إذ يتأسّس على الحقيقة، ويُحمى بالعدالة، وينتعش بالمحبّة، وينمو بالحرّية السائرة نحو مزيد من الاتّزان البشري.

10.نسأل الله بشفاعة القديس يوسف، شفيع العائلة البشريّة، أن يمنح الجميع نعمة الإصغاء لكلامه، والعمل بموجبه على مثال القديس يوسف، فنستحقّ أن نرفع إليه آيات الشكر والتسبيح، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد. آمين.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته