شهودٌ على مثال يوحنا المعمدان

يوحنا المعمدان يوحنا المعمدان | Provided by: Bartolomé Esteban Murillo, Saint John the Baptist in the Wilderness, 1660-1670 (Public Domain)/NCR

في مطلع إنجيل يوحنا، نقرأ شهادتَيْن ليوحنا المعمدان عن الربّ يسوع المسيح:

-الشهادة الأولى هي: «هَا هُوَ حَمَلُ اللهِ الذي يَرْفَعُ خَطِيئَةَ العَالَم!» (يوحنا 1: 29)

-الشهادة الثانية هي: «وأَنَا رَأَيْتُ وشَهِدْتُ أَنَّ هذَا هُوَ ابْنُ الله» (يوحنا 1: 34).

«هَا هُوَ حَمَلُ اللهِ الذي يَرْفَعُ خَطِيئَةَ العَالَم!» (يوحنا 1: 29)

إنّ لقب «حمل الله» يذكّرنا بكلام أشعيا عن المخلّص المنتظر ووصفه له كالآتي: «عومل بقسوة، فتواضع ولم يفتح فاه. كحملٍ سيق إلى الذبح، كنعجة صامتة أمام الذين يجزّونها، ولم يفتح فاه» (أشعيا 53: 7)، وهو لقبٌ يلخّص جوهر لاهوت إنجيل يوحنا الذي رأى في المسيح الحمل الفصحي المذبوح على الصليب، فأبطل الذبائح القديمة (انشقاق حجاب الهيكل) وافتتح العهد الجديد بغلبته للموت بالموت والقيامة.

لقد قال المعمدان هذا الكلام قبل أن يرى أيّ عمل من أعمال يسوع لأنّه أصغى إلى صوت الله في قلبه منذ أن كان في حشا والدته واعتاد الإصغاء إلى هذا الصوت الداخلي الذي أنبأه بأنّ «مَنْ تَرَى الرُّوحَ يَنْزِلُ ويَسْتَقِرُّ عَلَيْه هُوَ الذي يُعَمِّدُ بِالرُّوحِ القُدُس» (يوحنا 1: 33).

«وأَنَا رَأَيْتُ وشَهِدْتُ أَنَّ هذَا هُوَ ابْنُ الله» (يوحنا 1: 34)

إنّ لقب «ابن الله» كان غريبًا على مسمع اليهود المؤمنين بإله واحد، لا يلد ولا يولد، فيما لم يكن غريبًا على من حلّ عليه الروح القدس في الحشا، أي يوحنا المعمدان، ليمهّد الطريق لمن عرّفنا على الله الواحدٍ كثالوثٍ أقدسٍ: الآب والابن والروح القدس.

لقد شهد يوحنا لحقيقة الربّ يسوع كابن الله لأنّه اعتاد فتح قلبه وروحه لكلام الله وإفساح المجال لهذه الكلمة كي تعمل في كيانه!

يوحنا المعمدان... قدوتنا في الشهادة للربّ يسوع!

كثيرون هم المعجبون بيسوع في هذه الدنيا...

منهم من يعجبه يسوع كقدوة ومنهم كمعلّمٍ روحاني وآخرون كشخصيّة مسالمة دعت إلى المحبّة...

لكن لا يتخطّى كثيرون مرحلة الإعجاب إلى مرحلة العرفان لمن رفع خطيئة العالم عن دنيانا!

فالتمرّد الإنساني على الله أو على فكرة الله قديمٌ منذ أن اختار آدم وحوّاء درب البعد عن الله واستمرّ نسلهم في سلوك الدرب ذاته حتى أتت «البقيّة الباقية» كمريم ويوسف ويوحنا المعمدان لتكسر حلقة التمرّد وتُرسي دربًا جديدًا من السير خلف الله، وليس في مواجهته، عن إدراكٍ ووعيٍ بأنّ الحياة مع الله أكثر إنسانيّة لأنّ الإنسان -في الأصل- هو صورة الله وليس ضدّ الله!

لقد جمع يوحنا المعمدان في رسالته على الأرض بعدَيْن من أبعاد الرسالة يُختصران بكلمة واحدة: الشهادة!

الشهادة بالقول والفعل هي جزءٌ من دعوة كلّ إنسانٍ مسيحي إذ عليه أن يجمع في حياته ما بين إيمانه النظري والترجمة العمليّة لهذا الإيمان بالأفعال والتصرّفات!

تتطلّب هذه الشهادة الكثير من التواضع والتضحيات والتخلّي عن الأنانيّة في سبيل تحقيق الأفضل!

المزيد

وقد يصل الأمر إلى حدّ التضحية بالحياة، وهنا نتكلّم عن شهادة الدم أي الاستشهاد!

الشهادة عمليًّا أو حتى الاستشهاد هما صنوان في الحياة المسيحيّة إن اقتضى ذلك وفاؤنا لمخلّصنا الوحيد، ربّنا يسوع المسيح!

نتأمّل اليوم في شهادة يوحنا المعمدان. أمّا في الحياة، فسننتظر شهادة كلّ منّا للربّ في حياته الخاصّة ومع المحيطين بنا ممّن قد تتوقّف محبّة الله في حياتهم على دورنا وأقوالنا وأفعالنا وسلوكنا!

فهل نشهد للربّ يسوع على مثال يوحنا المعمدان في محيطنا وحيثما حللنا؟

يجب أن يشكّل هذا السؤال جزءًا لا يتجزأ من فحص ضميرنا يوميًّا، فنحن لا نعي في كثيرٍ من الأحيان أهمّية الدور الذي أناطه الله بنا حين كلّفنا، منذ معموديّتنا، بعيش البنوّة لله في كلّ ما نقوم به أو نقوله أو نحياه!

الشهادة لابن الله ليست مجرّد كلامٍ أو بعض صلوات نتلوها أحيانًا عن ظهر قلب... هي أوّلًا روحٌ تنبع من داخلنا وحياةٌ نجسّدها في سلوكٍ ملائمٍ لما نصلّيه أو بأقلّ تعديل لما ندّعي أننا عليه أي «مسيحيّون»!

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته