ولادة جديدة بالروح القدس والنار

القبيّات, الجمعة 6 يناير، 2023

نفتتح اليوم زمنًا طقسيًّا جديدًا هو زمن الدنح (الظهور) الذي يرتبط بتجلّي الثالوث الأقدس في حدث المعموديّة من خلال صوت الآب وعماد الابن وحلول الروح القدس!

نتأمّل في وحدة الثالوث الأقدس جوهريًّا وفي تجلّيه في حياتنا بثلاثة أقانيمٍ لا انقسام فيها بل تكاملٌ أزليّ يدفق حبًّا منذ الخلق حتى يومنا مرورًا بكلّ أحداث الخلاص من التجسّد إلى الموت والقيامة فالعنصرة وولادة الكنيسة...

هذا التجلّي الثالوثي فتح السبيل أمام رسالة الربّ يسوع الذي عَمَّدَ «بِالرُّوُحِ القُدُسِ والنَّار» وليس بالماء وحسب!

لم يعتمد الربّ يسوع لينال مغفرة الخطايا كمن نالوا المعموديّة من يوحنا بل -وفق ما أكد القديس أمبروسيوس- ﻟ«يطهّر المياه»!

بهذا التطهير، أضحت المياه «رحمًا» يلد أبناءً لله بالتوبة (النار المطهّرة) والمعموديّة (بالروح القدس)!

وهذا أسّس حكمًا لمفهوم جديد للمعموديّة التي كانت لمغفرة الخطايا، فأضحت ولادة جديدة ينتقل فيها الإنسان من مجرّد «بشريّ» إلى صورةٍ لله يعيشها وفق مثال الربّ يسوع إن طابقت حياته رسالته ودعوته!

بالمعموديّة إذًا نصبح أبناءً الله بالتبنّي وأبناءً لجرن المعموديّة أسراريًّا!

وعليه، يشكّل هذا العيد وهذا الزمن فرصةً لنا لنعيد سؤال ذواتنا حول مدى أمانتنا لدعوتنا كأبناء لله بالتبنّي، نشعّ بنوره في عالم اليوم!

فكلّ ما حولنا يغشاه بعضٌ من سلامٍ مزيّف ينبع من النسبيّة الأخلاقيّة والروحيّة، ويقتضي دورنا أن نعمل لإزالة هذا البرقع كشهودٍ حقيقيين لله في محيطنا المباشر على مثال يوحنا المعمدان، المُعمِّد والسابق الذي نتأمّل في تواضعه ووعيه لدوره وللفارق ما بينه وبين الربّ يسوع المسيح!

يعلّمنا هذا الأمر أن نكون في حياتنا أكثر تواضعًا، فمهما ارتقينا في المناصب الاجتماعيّة، لا بدّ لنا من التواضع كي نحافظ على التوازن في علاقتنا مع الله والناس!

في المقابل، كثيرون في زماننا يتكبّرون حتى على الله، فهم:

• يعيشون «بدون الله»، مستغنين عن محبّته إلّا إذا أقفلت كلّ الدروب أمامهم!

• يفضّلون جلسةً أو مشوارًا أو... على لقائه في الصلاة، ولو لوقتٍ مقتضب!

• يفضّلون «الخبز الأرضيّ» على «خبز السماء» ويبحثون عن السعادة في كأس «الشراب» بدل كأس «الخلاص»، الممنوحَيْن لهم مجّانًا وبفيض المحبّة!!!

• يخافون التأخير على موعد توظيف أو شخصيّةٍ ما من شخصيّات الأرض بينما يجعلون الله ينتظرهم، بسهولة، وأحيانًا لا يأتون!

فإن كنّا من هؤلاء، اليوم هو التوقيت المناسب لنجدّد بنوّتنا للّه وشهادتنا للمسيح بتجديد حضور الروح القدس في قلبنا وفكرنا وروحنا وحياتنا، فنضحي مسيحيين بشكل «دائم»!

في عيد الدنح، نسأل الروح القدس أن يعيننا، فيموت فينا كلّ ما يقوّض بنوّتنا لله لنحيا «مع المسيح وفي المسيح وبالمسيح»!